هذه الحرب سياسية أيضا
هذا الملف لم يعد ممكنا السكوت عنه ولا معالجته فقط، بالمواجهة اليومية الجارية الآن، دون آن ننكر الجهود المبذولة هنا، لكن الملف بات سياسياً، بكل ما تعنيه الكلمة قبل اي شيء آخر.
في المعلومات أن عدد مصانع الكبتاجون المخدر في الجنوب السوري يترواح بين 8 و 10 مصانع كبيرة آلية ونصف آلية بقدرة إنتاجية قد تصل إلى أكثر من 10 ملايين حبة شهرياً، اضافة الى عشرات المصانع والمخازن الموجودة في مناطق درعا، القنيطرة، السويداء، وذلك لقرب هذه المناطق من الحدود مع الأردن، ثم الشبكات في حمص، وريف دمشق، وبعض مناطق الساحل السوري، ويضاف الى ما سبق مخازن الحشيش المهرب من لبنان، بحيث بات الجنوب السوري اليوم، تحديدا، خطرا ليس على الأردن وحسب، بل يمتد خطره الى الدول العربية.
بعض المعلومات تتحدث عن تكاثر مرعب في عدد المصانع الصغيرة، وليست المتوسطة والكبيرة، وهناك معلومات عن اكثر من 90 مصنعا صغيرا تأسس مؤخرا، داخل شقق وبيوت، والمتورطون بتجارة المخدرات في الجنوب السوري، وكل سورية، يزداد عددهم كل يوم ولا يتراجع.
هذه الحرب قد تبدو أردنية، لكنها في حقيقتها ليست أردنية فقط، لأن الأردن يقف في الواجهة، بالنيابة عن دول عربية، بما يعني ان مساعدة الأردن فنيا وماليا أمر مهم، للوقوف في وجه هذا البلاء، الذي عم كل مكان، بما فيها العراق الذي تأتيه حصته من مناطق سورية وايرانية ايضا.
يوم امس اعلنت السلطات الرسمية هنا، ان قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، رصدت من خلال المراقبات الأمامية قيام مجموعة مسلحة من المهربين باجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حيث تم تحريك دوريات رد الفعل السريع وتطبيق قواعد الاشتباك بالرماية المباشرة عليهم، مما أدى إلى إصابة أحدهم وفرار الآخرين إلى داخل العمق السوري، وتم العثور بعد تكثيف عمليات البحث والتفتيش للمنطقة على 564 كف حشيش وعشرين ألف حبة كبتاجون، وسلاح كلاشنكوف بالإضافة إلى كمية من الذخائر.
هذا الخبر بات شبه يومي، خصوصا، مع الشتاء حيث يحاول المهربون اغتنام الضباب والظروف الجوية الصعبة لتمرير مهرباتهم، وهم جزء من شبكات شريكة في الأردن، تتخفى في مناطق متعددة، وتنتظر وصول هذه الكميات، من اجل توزيعها في الأردن، او اعادة تهريبها الى دول عربية.
في السياسة يقول لك السوريون انهم يريدون علاقات جيدة مع الأردن، لكنهم يرسلون المخدرات كل يوم، بشراكة رسميين وأمنيين سوريين، حيث تجارة المخدرات من سورية الى دول الجوار تصل قيمتها الى خمسة مليارات دولار سنويا، وسط توقعات ان تصل الى سبعة مليارات دولار سنويا، وهم هنا يقولون شيئا لكنهم يهددون الأردن كل يوم، ومعهم ايضا الجانب الايراني الذي يقول لك انه يريد علاقات حسن جوار مع العالم العربي، لكنه يدير جانبا من هذه التجارة، وله جماعاته، ومعهم يأتي الروس الذين يجاهرون بالكلام عن اهمية العلاقات مع الأردن، وحمايته من الارهاب، لكنهم يبذلون جهدا محدودا جدا لوقف هذه الحرب على الأردن، على طول اكثر من 375 كيلومترا، هي طول الحدود الأردنية السورية، وهي حدود مكشوفة ومفتوحة وحافلة بالأخطار.
هذا يعني ان هذه الاطراف تكذب، او عاجزة، او منشغلة بحروبها القديمة والمستجدة، وغير قادرة على توفير الامن على طول الحدود الاردنية السورية، بما يفرض هنا موقفا سياسيا حادا تجاه تصرفات هذه الاطراف الحاضنة والراعية، وعدم الاكتفاء بالحلول الفنية التي تقوم على المواجهة المباشرة، خصوصا، بعد مواصلة تصعيد عصابات المخدرات لحربهم على الأردن.
الولايات المتحدة والدول الاوروبية والعربية، تعلن دوما انها ضد المخدرات، والعصابات، وهذا يوجب اليوم، دون مبالغة دعم الأردن على صعيد هذا الملف، نظرا لأخطاره المتزايدة، اضافة الى كونه في الجانب المالي، يعبر عن امبراطوريات مالية تمول انظمة وجماعات تستهدف اصلا المنطقة.
نحن هنا لا نتحدث عن تأثيرات المخدرات الصحية وحسب، بل عن كونها وسيلة تمويل لأطراف مارقة بالمعنى السياسي، بما يفرض رد فعل اكبر مما نراه، لاننا امام عصابات تمول نشاطات سياسية، تستهدف اصلا المنطقة، واستقرارها، وبما يجعل هذه الحرب، ليس أردنية فقط.
(الغد)