مراجعة مُدد الخدمة في مؤسسات الدولة
الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس
في إطار الاستهلاك والإنتاج وفي إطار التنمية المستدامة, فقد بات اليوم موضوع مُدد الخدمة المدنية والعسكرية بغض النظر عن عمر الشخص في مؤسسات الدول العامة منها والخاصة محط دراسة ونقاش في كافة هذه الدول, وفي هذا السياق فقد أكدت جميع الدراسات المحورية في جميع أنحاء العالم أن زيادة مُدد الخدمة عن سنوات معينة في المؤسسات العامة والخاصة يعمل على تكرار الخبرة واستنساخها فقط دون أية فائدة تذكر, وأن ذلك لا يعمل بالضرورة على تطوير الخبرة وصقلها وإنتاجها من جديد, وربما يكون لـهذه الزيادة عن سنوات معينة نتائج سلبية على إنتاجية المؤسسات التي يعمل فيها هؤلاء الأشخاص.
فمثلاً زيادة مُدد الخدمة عن سنوات معينة في الجامعات بغض النظر عن أعمار أساتذة الجامعات فيها لم يحدث أية نقلة نوعية في أداء هؤلاء الأكاديمي ولم يؤثر أيضاً على نوعية ومخرجات الخريجين, ثم أن زيادة مُدد الخدمة العسكرية عن سنوات معينة بغض النظر عن أعمار الرتب العسكرية لم يحدث أية نقلة نوعية في أدائهم العسكري ولم يؤثر كذلك على نوعية التدرب والتدريب الذي تلقوه أو يقوموا به, والحديث هنا مبدئياُ عن أساتذة الجامعات والرتب العسكرية دولياً وليس محلياً.
أعتقد جازماً أن زيادة مُدد الخدمة بسنوات معينة بغض النظر عن عمر الشخص في مؤسسات أي دولة كانت سواء كان ذلك في القطاعات العامة أو الخاصة أو في القطاعات المدنية أو العسكرية, سيقف بالضرورة حجر عثرة أمام تقدم الشباب المؤهلين في مثل هذه القطاعات.. فتأخر بعض الأشخاص من هم في الصف الأول في بعض المواقع الوظيفية بغض النظر عن أعمارهم فإن ذلك سيحول دون وصول أشخاص أخرون من هم في الصف الثاني إلى تلك المواقع مع أنهم مؤهلون لقيادة مثل هذه المواقع الوظيفية.
توحيد وتثبيت مُدد الخدمة بسنوات معينة بغض النظر عن عمر الشخص في جميع مؤسسات الدول العامة منها والخاصة, والمدنية والعسكرية فأن ذلك يعمل بالضرورة على استثمار وتوظيف طاقات الشباب المؤهلين في تلك المواقع المتقدمة, ويعمل على الحد من المكوث الطويل للبعض في المواقع الوظيفية لسنوات طويلة وبالتالي تخفيف نسب البطالة والحد منها ما أمكن في المجتمع.
لأن عمر الشخص في المواقع الوظيفية لا يحقق شرطا كافياً للأبداع والتميز والابتكار والانتاج, لذلك بدأت كثير من دول العالم تلجأ إلى تحديد مُدد الخدمة بسنوات معينة في المواقع الوظيفية بغض النظر عن عمر الشخص, فبعض الدول المنتجة مثلاً حددت مُدد الخدمة بـ 20 عاماً فقط في المواقع الوظيفية بغض النظر عن عمر الشخص في جميع مؤسساتها, وبعض الدول المستهلكة حددت مُدد الخدمة بـ 25 عاما فقط في المواقع الوظيفية بغض النظر عن عمر الشخص في جميع مؤسساتها العامة والخاصة وفي كافة القطاعات المدنية والعسكرية.
من هنا, يمكن لنا في الأردن الاستفادة من تجارب الدول المنتجة والمستهلة في هذا الإطارة والعمل على مراجعة مُدد الخدمة في مؤسسات الدولة العامة منها والخاصة وفي كافة القطاعات المدنية والعسكرية, والتخلي تماماً عن فكرة التمديد والإعادة والتدوير والتي عطلت بدورها عجلة التنمية والانتاج, وبالتالي الحد من ثقافة الواسطة والمحسوبية من عقلية المجتمع الأردني.
ومن هذه المنطلقات فإنني أقترح هنا تحديد مُدد الخدمة بـ 20 عاما فقط في مؤسسات الدولة العامة منها والخاصة وفي كافة القطاعات المدنية والعسكرية ولكل من الجنسين, من أجل أن نعمل على إعطاء فرص حقيقية لجميع المواطنين الأردنيين, ولكي نُرسّخ مفهوم الاستهلاك والإنتاج المتوازيين في الدولة, ومن أجل تحقيق تنمية مستدامة تواكب مستجدات العصر ومتطلباته.
وهذا من شأنه أن يعمل على دفن ثقافة الواسطة والمحسوبية من قواميس المجتمع الأردني أولاً, ووئد مبدأ التمديد و(الإعادة) والتدوير لبعض الأشخاص ثانياً