0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

أمنية إبن شهيد نابلس

كتبت كثيراً عن شهداء الجيش العربي في فلسطين الذين سطروا صورة ناصعة من صور البطولة والتضحية، ولكني اليوم سأكتب عن حياة إبن شهيد فَقَد والده وهو ما زال في سن الخامسة من العمر ليصبح رغم صغر سنه رب أسرة مع والدته ذات الخمسة والعشرين عاماً وشقيقاته الثلاث …. في صبيحة الخامس من حزيران عام 1967 أفاق الطفل فواز عبد الكريم العزام على يدي والده الحانيتين تمسحان على شعر رأسه، وشفتيه تطبعان قُبلتين على وجنتيه وهو يودعه بعد أن إضطر لقطع إجازته والإلتحاق بوحدته العسكرية بسبب بدء الحرب، لم يكن يدور في خلد الطفل فواز أنها ستكون المرة الأخيرة التي تكتحل فيها عيناه برؤية وجه والده، وأنه الحنان الأبوي الأخير الذي لم ينساه رغم مرور 53 عام على ذلك الوداع .
الجندي٢ رقم 2099 عبد الكريم جدعان العزام ( أبو فواز ) من مدينة قَمْ – لواء الوسطية حاضنة أول مؤتمر لرجالات شرق الاردن للدفاع عن فلسطين عام ١٩٢٠ كان يعمل سائقاً ضمن نقليات القيادة العامة، بمجرد وصوله الى مكان عمله في القيادة طلب القائد متطوعين لعملية خاصة مع الصاعقه المصريه للقيام بمهمة لتدمير المطارات في العمق الإسرائيلي فتطوع عبد الكريم العزام وبعض زملائه لهذه المهمة وإنطلق برفقة مقدم أركان حرب فتحي عباس من صاعقة الجيش المصري وعندما وصلوا مشارف مدينة نابلس يوم 6\6\67 كانت تدور هناك معركه شرسه مع العدو الصهيوني وشاركت القوة في تلك المعركة ببسالة وإستشهد خلالها الجندي عبد الكريم جدعان العزام وزميله الجندي شاكر عبد الجليل علوان وقام المقدم فتحي عباس بوضع التراب عليهما واختفى الى ان هدأت المعركه  وعاد وأخبر اللجان الشعبيه عن موقع الشهيدين وتولت اللجان الشعبيه دفنهما في مخيم عين بيت الماء وقام آل مخلوف من نابلس لاحقاً ببناء القبرين وزراعة شجرة نخيل عليهما وأطلقوا على قبر الشهيد الأردني القبر الغريب .
كبر فواز وكبر معه شوقه إلى والده وكان يشتد حنينه وشوقه ليلاً عندما يأوي إلى فراشه، فيناجي والده ويعاتبه لغيابه عنه وعن أمه وشقيقاته الثلاث، وبقي حتى بلغ العشرين من عمره يمضي مساء كل يوم خميس ينتظر على أطراف القرية عودة والده كما كان يفعل بقية أقرانه، كانت أمنيته التي لم تتحقق أن يزور قبر والده ليلثمه ويناجيه عن قُرْب، وفي عام 1990 ذهب أحد أبناء عشيرة العزام ( عماد العزام ) في زيارة رسمية الى نابلس فطلب منه البحث عن قبر والده وبعد التحري وبمساعدة المعمرين من أبناء المنطقة عثر على القبرين، وفي الأسبوع الماضي ذهب الزميلان أحمد حمدان الجماعيني وإبراهيم الحويان اللذان يعملان معه في المجلس الأعلى للشباب في زيارة إلى فلسطين ولمعرفتهم بأمنية زميلهم قاموا بزيارة قبر والده الشهيد وأحضروا له حفنة من ترابه ليضمه بين يديه ويلثمه فيحقق بذلك جزء من أمنيته، تراب من أرض فلسطين التي أُستشهد لأجلها، وأصّر زملائه على تسليمه التراب الطاهر في حفل وطني يليق بطهر التراب وقدسية الشهادة، إبن الشهيد ( فواز ) يأمل أن يعود جثمان والده الشهيد ليُدفن في بلدته بين أقاربه أو أقلها أن تُتاح له الفرصة لزيارة قبر والده في نابلس ….
جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا يغفل عن زملاء السلاح من منتسبي قواتنا المسلحة ومتقاعديها وشهدائها، وهو الذي أوعز بتخصيص يوم للوفاء للمحاربين القدامى والمتقاعدين العسكريين الذين أفنوا زهرة أعمارهم  في معسكرات وميادين الرجولة والشهامة ولم يبخلوا بأرواحهم في الدفاع عن وطنهم وحماية شعبهم، إن دماء الشهداء من أبناء هذا الجيش لا زالت منارات وشواهد على البطولات التي سجلوها على أسوار القدس وأرض فلسطين، لقد سطر هؤلاء الشهداء بحق صورة ناصعة من صور بطولات جيشنا العربي .