من الديوان وإعلامه يؤتى الحذر
من الديوان وإعلامه يؤتى الحذر
راتب عبابنه
سارعت المواقع الإخبارية ومعها المتسرعون بتلقف ما جاء بتقرير الصحفي الأمريكي Jeffrey Goldbergبمجلة The Atlantic ونشرته جريدة The New York Times وكأن هذه المواقع تقول هيا إلى الشارع. وما يعيب البعض من هذه المواقع التي طرحت الموضوع هو نشره كخبر مؤكد وتحت عناوين وبصياغات لغوية أقرب ما تكون للإستفزاز وخلق البلبلة وإثارة جهات قلنا عنها سابقا أنها تتربص لتعكير الصفو الأردني.
الصحفي الأمريكي أخرج التقرير بطريقة تميل للإنطباعية والتحليل الشخصي والفهم الخاص الذي استقاه بطريقته الخاصة من خلال لقاءاته مع جلالة الملك. ومعظم ما جاء بالتقرير يحمل انطباعات وآراء شخصية أكثر منها حقائق وعبارات يمكن نسبها للملك رغم تضمينه تقريره لاقتباسات منسوبة لجلالته. ولغاية اللحظة لا نعلم مدى صدق وحقيقة ما جاء بهذا التقرير إلا بعد سماع أو قراءة نص المقابلة رغم صدور بيان بأن الحديث أخرج من سياقه ورغم ما نشر عن الصحفي نفسه بأن لديه تسجيلا صوتيا وأن نفس التسجيل موجود بحوزة الدائرة الإعلامية بالديوان الملكي. فما يمنع من نشره لتنجلي الحقيقة؟؟
وللإنصاف والحق والموضوعية, ألا يعلم جلالة الملك أن حديثه سينشر ويقرأ وعلى ضوئه سيترتب ردود فعل ليست بالهينة؟؟ هل يرغب بإثارة العشائر والإخوان والمخابرات والأمراء ليتمترسوا بخندق واحد لا يرغب به؟؟ منطقيا لا يعقل. هل نلجأ للتفسير التقليدي ونرمي بالموضوع على ما يسمى نظرية المؤامرة؟؟ الإحتمال قائم. كان يمكن أن نختصر الجدل والهرج والمرج والإسهاب بالتحليلات لقطع الطريق على الجميع من راغب بالتصعيد وراغب بالتهدئة, بنشر أو بث الحديث ما دام الديوان الملكي بدائرته الإعلامية واثق من عدم صحة ما جاء بالتقرير.
ولتقراء الناس وتسمع الحقيقة وعندها يكون تجديد للبيعة ولتسلط الاقلام نحو ذاك الصحفي, أما أن تبقى الحقيقة يلفها الضباب ورمز البلاد تنسب إليه أقوال يتبادلها المصدق والمكذب, فذلك لن يفيدنا ولن يفرز إلا ترسيخ القناعة عند المصدقين مع قابلية أن ينضم إليهم كثير من المكذبين. ولنعلم أن الحقيقة مهما يطول زمن تغطيتها فلا محالة ستظهر جلية وكما يقول مثلنا الأردني “الكذب حباله قصيرة”.
ولا طائل من أن يبقى الناس في الظلام بين مصدق ومكذب لأن ذلك الوضع ينعكس على المصداقية والثقة والمحبة والود وهي الصفات التي اعتدنا أن نراها تصبغ العلاقة بين الشعب والهاشميين, ولا نريد لهذه العلاقة أن يهزها ويشوهها خبر هنا أو خبر هناك يقف خلفه أناس لا يريدون للبلاد خيرا ولا لملك البلاد.
أود هنا تضمين مقالتي أحد الفقرات التي يتحدث بها كاتب التقرير عن الإخوان المسلمين مع الإنتباه للكلام المقتبس والذي لغويا يُدَلَّل عليه بهلالين مزدوجين (” “) ويعني أن ما بداخلهما صدر حرفيا من المنسوب إليه دون تدخل من الكاتب. وهذه هي الفقرة كما وردت حرفيا بموقع مجلة The Atlantic لمن يرغب بالإستزادة :
This is not to say that the Hashemites don’t harbor visceral dislike for the Brotherhood. Abdullah expounds on that dislike to many of the Western visitors he receives—in part because he believes his Western allies are naive about the Brotherhood’s intentions. “When you go to the State Department and talk about this, they’re like, ‘This is just the liberals talking, this is the monarch saying that the Muslim Brotherhood is deep-rooted and sinister.’ ”Some of his Western interlocutors, he told me, argue that “the only way you can have democracy is through the Muslim Brotherhood.” His job, he says, is to point out that the Brotherhood is run by “wolves in sheep’s clothing” and wants to impose its retrograde vision of society and its anti-Western politics on the Muslim Middle East. This, he said, is “our major fight”—to prevent the Muslim Brothers from conniving their way into power across the region.
والآن إليكم ترجمتها والمقارنة مع رجاء الإنتباه للإقتباسات والتي يبدو بعضها مجتزءا مما يدلل على أن هناك نية مبيته بإخراج النص بحيث يفهم على غير محمله. وأتمنا أن أكون وفقت بالترجمة للإنصاف والحقيقة والموضوعية. وترجمة الفقرة الإنجليزية السابقة هي:
هذا ليس لنقول أن الهاشميين لا يخفون كرها عميقا للإخوان. ويقدم عبدالله تفسيرا مفصلا لذلك الكره للعديد من الزوارالغربيين الذين يستقبلهم ـــــ ولحد ما لأنه يعتقد أن حلفاؤه الغربيون ساذجين ( أي لم يتعرضوا لنفس التجربة ) فيما يتعلق بنوايا الإخوان. “عندما تذهب لوزارة الخارجية (الأمريكية) وتتحدث حول هذا, لسان حالهم ( يقول ), “هذا تماما ما يتحدث به الليبراليون , هذا ما يقول به الملك أن الحركة الاسلامية متجذرة وشريرة ’” وأخبرني أن بعضا من محدثيه الغربيين, يجادل أن “الطريقة الوحيدة لتحقق الديمقراطية هي من خلال الحركة الاسلامية.” مهمته, هو يقول, الإشارة إلى أن (حركة) الإخوان تدار من قبل “ذئاب بلباس الحملان” وتريد فرض رؤيتها التراجعية (الرجعية) للمجتمع وسياستها المعادية للغرب على الشرق الأوسط المسلم. وقد قال, هذه هي “معركتنا الرئيسية” ـــــ لمنع الإخوان المسلمين من التستر على أسلوبهم المؤدي لبسط سلطتهم على المنطقة. انتهت الترجمة.
لاحظوا عبارة ” ذئاب بلباس الحملان” وما تحمله من خطورة وإصابة بمقتل لم توضع ضمن سياق مقتبس لكي نتيقن من مصداقيتها وحقيقتها إذا كانت وردت فعلا على لسان القائل الذي يفترض حسب الصياغة اللغوية أنها منسوبة لجلالة الملك. لكنها اجتزأت لكي تصيب الهدف الذي يرمي اليه كاتب التقرير. ونفس القول ينسحب على عبارة هذه هي “معركتنا الرئيسية”. لو تحلينا بالموضوعية لبرهة وحاكمنا النص اللغوي متناسين شخص “القائل” والأشخاص المعنيين بالقول لخلُصنا إلى أن هناك لعب ذكي وخبيث بتوظيف اللغة والصياغة لخلق تفسيرات يمكنها أن تسلط الأضواء على قضايا قابلة للجدل وقابلة لتخلق الذرائع والمبررات التي من شأنها زيادة الأسباب المؤدية لإعاقة المسيرة والدفع باتجاه ما تصبو اليه المعارضة وأصحاب الشد العكسي من البرامكة والمتبرمكين.
وهنا تبرز أهمية وخطورة دور الدائرة الإعلامية بالديوان الملكي المنوط بها الترتيب والتنسيق والإشراف والتدقيق وإجازة كل ما يتعلق بمقابلات الملك المصورة والمسجلة والمكتوبة. كان عليها التأكد من النصوص النهائية والتأكد من صلاحيتها للنشر لأن ما ينشر فحواه يحدد ويقر وينسف سياسات تمس رأس الدولة ورمزها ومن الأهمية والخطورة بحيث أنها تقلب موازين الداخل والعلاقات مع الخارج.
ولجلالة الملك نقول: جلالتكم, من هم إعلاميو ديوانكم؟؟ وهل لديهم ما يكفي من الأهلية والمعرفة والدراية والخبرة لكي ينصبوا مسؤولين عن إعلامكم الخاص؟؟ كان عليهم التحقق مما سينشر سواء ما جاء حقيقة على لسان الملك أو ما يمكن أن يسيء للملك والأردن. فهل جلالتكم تحوطت وتحققت دائرة إعلامكم من ذلك؟؟ لو فعلت لما حصل ما حصل. وهذا ماكنا قد ذكرنا جلالتكم به مرات عديدة لإطلاق ثورتكم البيضاء وتمنيناها حمراء والتي تبدأ بالديوان الذي ثبت بالدليل القاطع لا يعبأ من به إلا بمصالحهم الخاصة, بل ويعملون ضمن لوبي يعرقل طريق عملكم ويثيرون شعبكم الطيب ضد قيادته ويعبؤون الناس, وهاهي الناس قد فعلت وزحفت لديوانكم العامر تتحرك بدفع ممن تثقون بهم ووليتموهم أخطر المواقع التي من خلالها أوصلوكم وأوصلونا لما لم نكن نحب ونرضى.
والبيان الذي صدّرته الدائرة الإعلامية باسم الديوان الملكي لم يكن بمستوى الحدث وتبعاته بل اكتفى بنفى ما جاء بالتقرير ومبرزا احترام الدول ورؤسائها واعتزازه بالعشائر والمخابرات لكنه لم يفند الإقتباسات المنسوبة لرأس الدولة واكتفى بنفي العديد من المغالطات الواردة. البيان أدخل الشك عند الكثيرين لضعف محتواه وعزز القناعة عند من يودون التصديق للبناء عليه واتخاذه سلاحا فتاكا يستخدم في المعارك القادمة. والبيان أساء أكثر مما أصاب وبدلا من أن ينصف قائد الوطن فقد أضاف الكثير من الضبابية والغموض مما يجعلنا بحيرة مما يجري. كنا ننتظر من الديوان برئيسه الذي اختير بعد دخوله بمواجهة مع المواطنين وإعلانه إغلاق باب الإصلاح أن يرتقي ببيانه ذودا ودفاعا عن الملك كما كان يفعل عند التصدي للمعارضة ولرغبات الشارع.
والبيان بلغته الباهتة مؤشر على أن هناك توافقية وانسجام ومباركة غير مباشرة ليأخذ التقرير مأخذه. والتقرير صور جلالة الملك وكأنه يستعدي بعض الدول والعشائر وأبناء عمومته وإخوته وأخطر جهاز أمن في المنطقة والحركة الإسلامية والملكية كنظان حكم والتي يحكم من خلالها. والأمر الذي لا يقل خطورة عما سبق هو إظهار الملك متعاطفا مع فكرة تغليب المكون الفلسطيني على حساب بقية المكونات للشعب الأردني ورغبته بزيادة تمثيلهم.
هذا بالإضافة للإشادة بذكاء وسداد رأي زوجة الملك وأناقتها إذ هي آيقونة مذهلة في عالم الموضة كما وصفها التقرير. ووصفها بآيقونة موضة يعلم كاتب التقرير أنه لا ينسجم مع الأعراف والثقافة العربية ولا يتوافق مع تعاليم دولة مسلمة. بعد الإنتهاء من قراءة التقرير يخلص القارئ إلى السعي لإيصال رسالة مفادها أن الملك والملكة والمكون الفلسطيني بواد وبقية الشعب الأردني بواد آخر. هل بعد هذا الطرح الخبيث والداعي للفتنة والجدل أي اعتبار أو تأثير ليرمي بظلاله على فحوى البيان الضعيف؟؟ ألا تستحق هذه الإساءات ومن خلفها ردا قويا يضع النقاط على الحروف؟؟ التقصير واضح والضعف بيّن والإساءة التي سببها البيان تضاهي ما سببه التقرير. ألا يسجن موظف عندما يجتهد وبحسن نية وينقل صورة الملك من مكان لآخر داخل مكتبه, على سبيل المثال؟؟ فما الذي يستحقه هؤلاء المتمترسون بحصن الديوان المتخاذلون والمسيؤون مباشرة لجلالته ومن خلفه الشعب؟؟ سؤال نتمنى أن تقع عيون جلالته عليه.
وحسب ما جاء بالتقرير من نقد لبعض الزعماء العرب والتجني على العشائر الأردنية التي كانت الأساس الذي ارتكز عليه قيام الدولة الأردنية وأن المخابرات مع بعض شيوخ العشائر تعمل لتحديد تمثيل المكون الفلسطيني وأن المخابرات تمضي خطوتين للأمام وخطوة للخلف, فتلك تخرصات من كاتب مطلع على خصوصية الدولة الأردنية والمجتمع الأردني وأن هناك من زوده بمعلومات الغرض منها التصعيد والإسنفزاز والإثارة والإساءة للملك. وقد طالت هذه التخرصات دولا وأحزابا والعشائر بمجملها وجهاز الأمن الذي نفاخر به.
لو افترضنا جدلا أن جلالته صرح بكل ذلك, فأين الناصحون الأمناء و”عظام الرقبة” والمستشارون المخلصون والمقدرون الأكفياء للموقف والمقربون الثقة والمستقربون أعوانهم والمتسلقون النفعيون والمتزلفون المنافقون؟؟ لنعترف بالحقيقة المرة سيدي, جلالتكم محاطون بذئاب لا تريد خيركم ولا خيرالأردن. وما هي إلا لعبة محبوكة تستدعي الإنتباه والتنظيف والطرد والإقالة والتقاعد والسجن للكثيرين من بطانتكم التي نحملها الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث. سيدي إنها والله خطة مدروسة بعناية لو كان بقربكم من يريد خيركم وخير البلد لما تجرأ البرامكة على فعلتهم. سيدي لم يعد هناك متسع لإعطاء الفرص فلتخرجوا قليلا عن طوركم الذي يعطي الأمان للحاقدين الذين أياديهم بدأت تطالكم. سيدي استمع لنا نحن الغيارى ولو لمرة واحدة وتحقق من صحة ما يقدمه لكم هؤلاء “الملائكة” الذين نهجهم صار واضحا لنا نحن الغيارى كوضوح الشمس بشهر صيفي.
أحدهم يسألني كيف بجلالة الملك يدلي بهذه التصريحات الخطيرة والقاتلة والإستعدائية التي ربما تنعكس وبالا على الملك نفسه وعلى البلد؟؟ فأجبته مادامت بهذه الخطورة القاتلة فهي موضع شك يرقى للدس والخيانة. وهناك لوبي يحاول أن يوجه الأنظار للنظام شخصيا أملا بأن ينقلب المطلب العام للشارع الموجه للدولة الممثلة بالحكومة ليصبح مطلبا عاما موجها ضد الملك شخصيا وبذلك نكون قد وصلنا إلى ما وصل إليه أشقاؤنا ببعض الدول العربية وتكون حصلت الكارثة التي حذرنا منها وكتبنا عنها وتوقعناها وقدمنا البدائل والحلول, لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح وها نحن بصدد ما حذرنا منه ومللنا من تكراره.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com