بانتظار الوليمة
وقف الصبي الصغير حاملا بيده الوعاء الذي رجته امّه أن يذهب به الى مكان الوليمة الكبيرة التي سيقوم بها الشيخ لتكريم الضيف الكبير , ذو الهمة العالية والعمل الدؤوب في خدمة بلده واهله , الذي يزور بلدتهم لأول مرّة للالتقاء بالناس المتشوّقين الى سماع حديثة, في القاعة الكبيرة , لأنه صاحب الخبرة الطويلة , والرأي السديد , والتجربة المديدة , وله الحضور المميّز في المحافل على مستوى الوطن والعالم , هو وحده من سيكون قادرا على حلّ المشكلات العالقة في مدينتهم , وهو وحده الذي لا يصعب عليه شيء ,و القادر على اسعادهم.
اقترب الصبي الصغير من الخيمة الكبيرة التي نصبها الشيخ ليستقبل فيها الضيف الكبير , وفجأة أحسّ بدوار من الضربة الموجعة التي وجهها الى صدغه أحد الذين يقومون على خدمة الخيمة والضيوف , والذي نهر فيه أن ابتعد من هنا والاّ , وأنتفض الجسم الصغير مهرولا , ومبتعدا عن هذا الرجل الذي لا توجد بقلبه رحمه , ولعن الساعة التي أخرجهم فيها المدير مبكّرين من المدرسة , لان معلّمين قد غابا عن الحصّتين الاخيريتين , ولولا ذلك لكانت أمّه ستطلب من أخته الصغرى الذهاب الى مكان الوليمة , وربمّا لن يضربوها , واتكأ على جدار بعيد , يرقب القادمين الى الخيمة من أهل البلدة مبتسمين مهللين .
وفي القاعة الكبيرة , حيث جلس المستمعين الى الضيف الكبير , الذي كان قد بدأ حديثه بمدحهم وذكر صفاتهم , ومكانتهم ومكانة بلدتهم في نفسه , وأنه ما اتى اليهم قاطعا المسافات الطويلة , تاركا أعماله الكثيرة , الاّ لأنه يحبهم , ويرجو لهم ولبلدتهم الخير , والحياة الكريمة , وبشّرهم بالمشاريع التي سوف تقوم فيها , وأنّ ,الجميع , نعم الجميع , سيجدون عملا لائقا برواتب عالية , في استثمارات كبيرة سيقوم بها أجانب يرغبون في انشاء مشاريعهم في بلدتهم ,وأنّ الازدهار سيكون عنوان الحياة القادمة لهم ولأبنائهم من بعدهم , وضجّت القاعة بالتصفيق العاصف والمستمر .
لم يستطع الصبي مغالبة النعاس الذي أصابه , فجلس على حجر , وأرخى رأسه على الجدار , وغفى , ورأى نفسه وأخوته الصغار متحلّقين على وجبة شهيّة , لم تكن أمّه تستطيع أن تعدّها لهم لولا الوليمة الكبيرة , ووصل الضيف الكبير الى الخيمة الكبيرة سعيدا , وهو يعدّ نفسه لالتهام وليمة كبرى هنا ووليمة أكبر في المشاريع القادمة .