0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

نصف الأقرع

في جمعٍ متراكمٍٍٍ يشبهُ الحشوَ،أكثر مما يشبه الاحتفال،انطلق صوت المطرب صاخباً يمدح أحدهم “بموال” ويشير اليه،والموسيقى أيضا صاخبة.

يحيط به كثيرون والمكان ضيق  لا يستوعب المجتمعين بسهولة،المطربُ لا يظهر وجههُ،وإن ملأ الأرجاء صوته، وبرغم ندى الصوت الا ان الموسيقى الصاخبة تبتلع الندى وتجعله حميما يصب في الآذان،ولكن تبقى نشوة العرس مترعة بالحبور.

المصوِّر ركز الكاميرا على وجه رجلٍ ضخمٍ تجاوز الثلاثين ونصفِ أقرع،ربما لأن حلق نصف الرأس يقنع الناس، أن هذا الشخص ليس شخصا عاديا،فيمتنعون عن الاستهانة به، هناك شرٌ يمتزج بقسماته،وضخامة طبيعية يزيدها تنافخٌ زائفٌ،وكلما رَجَّعَ المطرب صوته “بالآهِ”وطفِقَ يَمُدُّها،كان المكان يزداد هياجاً،(ونصف الأقرع) يشعر أنه وحده المعني بالمديح،وأن الأنظار تتجه إليه،لذا عليه أن يبادر بالحركة الفارقة، ليثبت أنه الذكر المسيطر،وثمة أطفالٌ في الثامنة او العاشرة،يقفون وسط الجمع الى جانب (نصف الأقرع).

يزداد الهياج مع ازدياد صخب الموسيقى،ويشتدُّ المطرب ويسحب نفسا عميقا، ثم يرسل ما في جعبته من الآهات المعادَة، يزداد أيضاً تنافُخُ (نصف الأقرع).

 مدَّ يده الى خاصرته أخرج منها مسدساً،رفعه فوق الرؤوس المتراصَّة، المكان يزداد ضيقاً،والقلوب يختلط الخوف فيها والسرور،والأطفال رفعوا أيديهم ووضعوا راحاتها على آذانهم،قبيل إطلاق (نصف الأقرع) للرصاص.

لم يطلق المسدس شيئا،أعاد نصف الأقرع المسدس  ليحشوه،قام بحشوه والفوهة مسددة لمن حوله،والأعصاب لدى الجميع يصيبها تلف ظاهر،رفَعَهُ مرةً أخرى لأعلى  أطلق بضع رصاصات،أعاد المسدس عندما توقف عن الإطلاق الى أسفل،ليعالج خللاً تسبب في توقفه عن الإطلاق،الفوهة مازالت مسددةً،الى الجمع المحيط (بنصف الأقرع).

سحَبَ الأقسام الى الخلف ومازالت اصبعه على الزناد،خرجت طلقة أخيرة،في غمرة الصخب المُريعْ، كانت كامنة تنتظر اصابة حتفٍ مؤلم،قادمة من ظلمات فرح أرعن،انطلقت بسرعة كبيرة،تفوق سرعة المطرب عن التوقف عند آخر “آهٍ” مصطنعة لتجعلها “آهً” واقعية، فاقت سرعتها سرعة الوجوم القادم بعد الابتسامات الجميلة،فاقت سرعة الصراخ الذي سيتبع انطلاقها بثوان يملأ الأسماع،ويرعب القلوب، فاقت سرعة عينٍ  تستوعب طفلا يلهو في فرح  فيهوي أرضا بلا وجه، كانت أسرع من صراخ أمهات كلهن سمعن، بأن طفلا قتل هناك في وغى عرس أبله،وأسرع من كل احتمالات الموت في غمرة الأفراح،وأسرع من غباء شعب يعلم أن الموت يكمن في فوهة السلاح المجنون الذي يعزف لحن الموت على عتبات الفرح،ويشكو الفقر بعد أن يُذَخِّرَ مخزناً لمسدس، بما قيمته إطعام عشرة مساكين اسبوعا كاملا، في هذه المرة لم يَنْجُ (نصف الأقرع) فالقتيل تهاوى بين قدميه،وقد ينجو إذا هدأت الخواطر الملتهبة،وانقطع بكاء الأم الثكلى، وقام فنجان قهوة بدور الوسيط الذي لا ترد له شفاعه، وحَلَّ الرضا بالقضاء والقدر، محلَّ الإنتقام والثأر واستحقاق العقوبة.

 في المرات السابقة نجا (نصف الأقرع)عدة مرات عندما تطايرت رصاصاته لأعلى، لتعود إلى صبية يلعبون على سطحٍ بعيد فتخرق رأساً أو تشل يدا،أو تلقي طفلاً بريئاً على سرير الاحتضار،تلفه غيبوبةعدة أشهر قبل أن يواريه التراب، كثيرا ما نجا (نصف الأقرع)ونام ملياً  مِلءَ عينيه،وأمَّةٌ من الناس يبكون عزيزا قتله  قبل نومه العميق.

كم سيفني (نصف الأقرع) منا، حتى تصيبه تخمة،ويمل التنافخ،كم سيمنع صاحب”عرس” نصف الأقرع من رفع السلاح،قبل أن يلعنه بكل وسائل اللعن بعد أن يفسد عرسه،وينسى كل التحايا التي كان يحيي بها (نصف الأقرع) في لحظة الإطلاق وقبل وقوع المصيبة.

سألعن نصف الأقرع، وألعن كل صاحب فرحٍ يقتل الناس بأفراحه، وألعن نفسي إن بقيت في مناسبة يطلق فيها الرصاص.