إبحث عن السبب
العقوبة جراء أي جرم أو جنحة أو جنايه في المقام الأول ذات وجهين. الأول، معاقبة مرتكب الجرم والإقتصاص منه وبنفس الوقت هي وسيلة تحصيل حق للطرف المعتدى عليه. والوجه الأخرلها، الردع والمنع لمن يمكن أن يرتكب جرما مشابها أو غير مشابه.
وإذا لم تكن العقوبة رادعة ومانعة فلن تردع وتمنع المعتدي عن فعل الاعتداء. والعقوبة، أي عقوبة لا تكون رادعة ومانعة للإعتداء وارتكاب الجرم إلا إذا تناسبت وتوافقت مع نوع الإعتداء وحجم الجرم بعيدا عن التدخل والمحسوبية والواسطة واتسمت بالتجرد تماما من تدخل ذوي المصالح والمتنفذين.
وما يدعم هذا النهج وجود قوانين صارمه بهذا الشأن وأحكام مغلظة ورادعة حتى يتعض المواطنون الأردنيون وغير الأردنيين كذلك وهم كثر للأسف.
كل المجتمعات المتقدم منها والنامي بها من الإعتداءات ذات الطابع الفردي والمنظم. والمجتمع الأردني أحد هذه المجتمعات. وليس هناك ما يسمى بالمجتمع المثالي أو اليوتوبيا، لأن الطبيعة البشرية بها نزعة الخير ونزعة الشر على حد سواء، هذا إذا تجردنا من التعاليم الدينية السماوية ونزعنا باتجاه العلمانية والتحلل من الكتب الإلهية التي تدعو للتسامح والمحبة وحب الخير للآخرين.
وهذا ينقلنا إلى حوادث الإعتداء على رجال الأمن والمواطنين الأردنيين التي تكررت وتكاد أن تصبح ظاهرة مقلقة تؤثر سلبا على هيبة رجال الأمن بالدرجة الأولى مثلما تؤدي بالمواطن الأردني للإستسلام والتراجع عند أي خلاف مع شخص وافد سواء لاجئ أو سائح أو عامل. وهذا بدوره يؤدي لزعزعة الثقة وخلخلتها بالدولة وبالقائمين على الأمن الوطني الذي وجد ليحمي المواطن ويصون حقوقه ليكون مدعاة للتفاخر. وحقيقة تكاد تكون الثقة معدومة بين الطرفين لأسباب كثيرة يعلمها كل الأردنيين.
الأهم من كل ذلك البحث عن الأسباب التي أفرزت مثل تلك الإعتداءات خصوصا عندما يرتكبها أشخاص غير أردنيين. والأسباب متعددة منها العقوبات الرخوه والقوانين المترهلة وبالتالي توفر بيئة تسمح بالتدخل السريع والمداراة مما يؤدي لانتصار المعتدي وهضم حق المعتدى عليه. التدخل من قبل المتنفذين له الدور الكبير في تخفيف العقوبات وإلغائها أحيانا. مقولة ” أن الأردن بلد كل العرب الأحرار” التي تدندن لها الحكومات وخصوصا الحالية لتبرير سماحها بدخول من كان يتوجب منعه من الدخول لها الدور الرئيس في خلق مثل هذه الأجواء والمناخات والبيئات التي تخلق نوعا من الإستعدادية والقابلية لعدم الإكتراث بالنتائج التي غالبا ما تكون على حساب المواطن الأردني.
مقولة ” أن الأردن بلد كل العرب الأحرار” ربما تنطبق على حالات فردية تدرس بعناية وفق القوانين والدستور الأردني والأعراف الدوليه وقوانين حقوق الإنسان. أما أن يفتح الباب على الغارب كما هو الحال الآن حتى أصبح عدد المقيمين يساوي أو يفوق عدد المواطنين الأردنيين، فهذا ضرب من الإستهتار والإستخفاف بالعقول وهضم لحق المواطنين الذين أصبحوا يشعرون بالإغتراب داخل وطنهم الأم مما يقود لتمييع الهوية الأردنية واستقواء الدولة لاحقا على المواطن بحجة التعددية والوحدة الوطنية مما يدفع بغير المواطنين للاستقواء أيضا على من آواهم واحتضنهم إذ رفعوا الأسعار بشكل لا يطاق واستحوذوا على فرص العمل وشاركوا المواطن لقمة عيشه وبمساعدة الحكومة “البالغة الرشد” وجففوا مصادر الماء والأردن من أفقر دول العالم بمصادر المياه وما إلى ذلك من مشاكل اجتماعية وعادات وثقافات دخيلة تسربت للمجتمع الأردني حتى بدأ المواطن الأردني يشعر وكأنه كالهندي الأحمر في أمريكا إذ انطبق المثل القائل “المال مال أبونا وأجو الغرباء يطحونا”.
الأردن ليس مؤهلا لاستقبال الملايين من اللاجئين والصرف عليهم وخصوصا بالظروف السيئة اقتصاديا وماليا وسياسيا التي تزامنت مع السماح لهم بالدخول وهي ظروف الإنفجار العربي. لقد سبق وحذرنا وحذر الكثير من تبعات السياسات والقرارات المتسرعة التي لا تخضع للتمحيص والتحليل وها هو الواقع يفضي بما حذرنا منه حيث كثرت الأعباء على المواطن والدولة وتم إدخالنا بمتاهات لا نهاية لها يدفع المواطن يوميا ثمنها من دخله المتآكل ومن راحته بالتوازي مع وجود القلق والترقب والخوف على مستقبل الأجيال القادمة. حتى وإن كان ما جرى “استثمارا” كما يحاول البعض وعلى استحياء أن يروج لفكرة الإستثمار، فما الذي جنيناه وما هي الإيجابيات التي يفترض أن يجنيها المواطن والوطن؟؟
ألم نزدد فقرا وعوزا؟؟ ألم ترتفع نسبة الجريمة؟؟ ألم يزدد عدد اللقطاء؟؟ ألم تزدد حالات الإنتحار؟؟ ألم تزدد حالات الإعتداء على رجال الأمن والمؤسسات الحكومية؟؟ ألم يزدد منسوب التذمر وعدم الرضى عن السياسات التي تهمش أبناء الوطن وتقصيهم بالتوازي مع احتضان البرامكة الذين كانوا سببا لما نحن به من حال لا يسر؟؟
هل العجز في موازنة الأردنيين تراجع؟؟ هل الدين العام انخفض أم زاد جراء السياسة النسورية؟؟ وقد أوحى لنا دولته بكل الطرق من تغليظ للأيمان والتعهد والوعود بأن نهجه وما يتخذه من قرارات سوف تنعكس على الأردن ليشابه دولة فنلندا بالرخاء، أليس كذلك؟؟
نقول ذلك للتذكير لعل الذكرى تنفع. والرجوع عن الخطأ فضيلة ووقف الخسارة مكسب والكيس من اتعض بغيره. ولا تظنوا ركود الحراك سيستمر للأبد، المواطن يدرك أنكم ما زلتم بسياساتكم تصنعون الإستعداء وتزكون نار الغضب وتدفعون باتجاه التمرد والعصيان الذي لن يريح النظام الذي تعتقدون وتصورون أنكم قلقون على راحته. إن كان ذلك فعلا توجهكم، فاعلموا أن لا راحة لحاكم بغياب راحة الشعب. وإن رأيتم تراجعا للحراك فهو ناتج عن وعي المواطن وليس من فعلكم، لكن اعلموا أن الجمر ما زال رابض تحت الرماد وما إن هبت الريح ستكشفه ليتناثر الجمر ويحرق ما يعترض مساره.
للحكومة بكل أعضائها نقول كفاكم استهتارا بعقول الأردنيين وكفاكم تشدقا بالعبارات الرنانة التي لم تعد تلقى أذنا صاغية من المواطنين فهم قد بلغوا من الوعي والمعرفة والقدرة على التحليل والإستنتاج ما يجعلهم يحجبون عنكم الثقة ويميزون صدقكم من عدمه.
كما نقول لهم وهم “النخبه التي لا مثيل لها” وهي الوارثة المُورَّثة أن يبقى النهج هو النهج نفسه، وإذا لم تحترموا عقل المواطن فلن يحترمكم المواطن وعندما تكونوا غير صادقين فالمواطن لديه الدراية والمعرفة ليكشف ويكتشف أنكم لم تعودوا أهلا للتصديق والثقة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com