0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

في ذكراها ، مناقشة هادئة لإعتصام رابعة

 
 لو تجاوزنا قدسية الإسم ، وهي العابدة الزاهدة التقية العاشقة للذات الإلهية ، رابعة العدوية ، وقدسية المكان ، وهو المسجد المسمى باسمها وأكنافه والساحات والشوارع والأزقة المحيطة به ، وقدسية الزمان ، شهر رمضان المبارك وما قبله وما بعده ، وقدسية الحضور ، الصائمين القائمين الذاكرين وهم عشرات الآلاف وأحيانا مئات الآلاف وربما أكثر ، وبشاعة النتيجة وفظاعتها قتلى ومصابين ومفقودين ومعتقلين .
لا أدري كم سيمر من الوقت حتى ينسى الناس هذه الفاجعة وآثارها ، فقد أصبحت في عهدة التاريخ تقرأه الأجيال ، ويتناوله الباحثون بالتحليل والأستنتاج والدراسة ، وأهم من ذلك قد أصبحت أحداثها بين يدي حكم عدل ، لا يضيع عنده حق ، ولا يغيب عنه شيء .
ولا أدري أيضاً ، هل حان الوقت لمناقشة هادئة عقلانية للحدث نفسه ، بعيداً عن أي تأثيرات ، وما زالت آثاره ماثلة وجرحه لم يلتئم بعد وشهوده أحياء . على أيه حال سأُحاول ، سيما وقد كنت أكتب بعض التعليقات أثناء الحدث ، أُبدي فيه رأيا ، ربما لم يكن يُعجب الكثيرين ، ومع ذلك ، يبقى رأياً قابلٌ للخطأ والصواب والنقاش .
والإعتصام هو وسيلة سلميّة لتحقيق مطالب معينة ، عن طريق تجميع عدد من الناس في مكان محدد حتى تتحقق مطالبهم . وللأمانة فقد أثبت الداعون للإعتصام مقدرة كبيرة على الحشد وإدامته لفترة طويلة وما يرافق هذا من توفير الخدمات الأساسية والضرورية لمختلف الأعمار .
لقد كان القرار بالإعتصام من أسوأ القرارات التي اتخذها منظموا الإعتصام ، وهم هنا الأخوان المسلمون ، يُضاف إلى سلسلة القرارات الخاطئة التي تتخذها الجماعة هناك منذ ثورة 25 يناير . فقد كان واضحا غياب الرؤية التفصيلية الواضحة عند المنظمين والحاضرين .
فتجميع الناس وحده لا يكفي لتحقيق أي هدف ، إن لم تتبعه وسائل وفعاليات أٌخرى . فلم تُستغل طاقات الحشود الغفيرة لتحقيق هدف معين حتى لو كان صغيراً ، وبدلاً من ذلك اعتبروه موسما للعبادة وتزكية النفس من صيام وقيام وتلاوة القرآن الكريم وحلقات الذكر والتعليم ، على أهميتها ، إلا أنها ليست الهدف للإعتصام ، بل كانت وسيلة لإلهاء وتشغيل الحضور وامتصاص طاقاتهم ، فغاب الهدف الأصلي للإعتصام ليصبح وكأنه دورة تدريبية تربوية ، دون مراعاة الفروق الهائلة بين الحضور من مختلف الأعمار والمستويات الفكرية والثقافية ومدى الإلتزام .
وبسبب غياب الرؤية الواضحة للمنظمين لمطالبهم وما يريدونه ، تباينت كلمات المتحدثين الرئيسيين على المنصّة تباينا كبيراً ، ورفع بعضهم سقف التوقعات بشكل كبير وأسرف في الوعود ، وكأن الأوضاع على وشك العودة إلى طبيعتها وأن إعادة الرئيس المنتخب كان وشيكاً .
وكان واضحا سيطرة تيار متشدد على المنصة وفعالياتها ، حتى أنهم منعوا إذاعة الأغاني والأناشيد الوطنية التي كانت تُذاع أثناء ثورة 25 يناير بحجة الموسيقى وحرمتها عندهم . ومن ذلك أيضا طبيعة الهتافات التي كان يرددها مَن على المنصة ، وكأن القضية أصبحت ثورة إسلامية و لتحكيم شرع الله . علما أن هذا الهدف لم يكن مجمعا عليه لا من الحضور في رابعة ولا حتى أثناء ثورة 25 يناير لإختلاف مشارب الحضور وإنتماءآتهم الفكرية ، فليس كل الحضور كانوا إسلاميي الفكر والتّوجّه .
كما غاب أي نوع وبأي درجة من التواصل أو التفاوض أو حتى جس النبض بين قيادة الإعتصام وبين السلطة الجديدة ، إلا في حالات محدودة جدا قام به البعض وسرعان ما تم نفيه والتعريض به بل إدانته من قبل المتحدثين على المنصة وكأنه رجس من عمل الشيطان .
ويبدو أن المنظمين لم يكن لديهم بدائل أوأي نية للتغيير في الأسلوب والتكتيك ، فكانت الفعاليات نمطية تربوية متكررة كل يوم وبنفس البرنامج تقريبا . إضافة لذلك لم يكن لديهم توقّع لما يمكن أن يُقدم عليه الطرف الآخر ، وكأن الحشود الكبيرة عاصمة من قيام الطرف الآخر برد فعل قوي وعنيف ، ومتوقعين أن يُتركوا وشأنهم يُنفذون برنامجهم التربوي والذي بدأ يتطور ليأخذ شكل الإعتصام أمام أماكن حساسة .
طول فترة الإعتصام دليل على أنه استنفذ أدواته وأغراضه دون أن يتمكن من تحقيق أي من الأهداف المعلنة ، وتحول إلى مهرجان كرنفالي شعبي ترفيهي حتى لا يمل الحضور ويتعبوا .
لقد كانت تجربة مريرة عاشتها مصر ، وتابعها العالم بالصوت والصورة ساعة بساعة ، من البداية وحتى تم اقتحام مكان الإعتصام ونتائجه المروعة . وقد كان واضحاً أن النظام الجديد لم يأت كي يرحل ويُعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه ، وأنه كان مصمما على تنفيذ المخطط الذي كانت بداياته قديمة وكانت مؤشراته تحدث أمام سمع وبصر الرئيس مرسي دون أن يحذر أو يُحذّر .
أما المستقبل فهو غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه ، فما هو ظاهر أن الحكم الجديد تمكن من تثبيت أركانه مستندا لتأييد كل القوى الكارهة للتيار الأسلامي والأخوان المسلمين تحديداً ، ووسائل إعلام وإعلاميين يؤيدونه بقوة وكذا القضاء وكل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش والداخلية
وقد كشفت الأحداث أن تيار الأسلام السياسي كان مكشوف الظهر ولا يعتمد إلا على قواه الذاتية وعناصرة جيدة التنظيم والأنضباط ، كما كشفت أن جزءا هاما من الشعب لا يرغب بحكمٍ إسلامي ، وأنه يُفضّل أي حكم حتى لو كان عسكريا على حكمهم ، وأن العالم ليس متقبلاً بعد فكرة وصول تيار إسلامي للحكم ، والذين بدورهم لم يقصّروا بإعطاء هذا الأنطباع للآخرين ، بعد تحالفهم مع التيار السلفي المتشدد خاصة حزب النور الذي كان يجرهم نحو التشدد بالمزايدة عليهم ، وتبين أنه كان شريكا في الإطاحة بحكمهم لأسبابه . ويبقى أن نقول أهل مصر أدرى بشعابها .