الهيلينية والأردنية
الجمهورية الهلينية Hellenic Republic أو ما تعرف لدينا باليونان Greece أو بلاد الأغريق، التي هي مهد الحضارات، لأنها عَرفت الدولة في مراحل ما قبل التاريخ حيث شكلت تحالفاً بين مدن مختلفة كان لكل منها وزنها مثل أسبرطة وأثينا، وكانت البوابة التي حمت أوروبا من غزو الفرس. ومن منا لم يسمع بالفلاسفة الأغريق من أمثال فيثاغورس (572-497 ق.م) أو سقراط الذي استخدم الفلسفة لإشاعة الفضيلة بين الناس ونشر الصدق والمحبة، أو أفلاطون وتلميذه أرسطو (أبو المنطق) معلم المحارب العظيم الإسكندر المقدوني الذي لم يُهزم في اي من حروبه التي خاضها من سواحل البحر الأيوني (بين اليونان وإيطاليا) غرباً حتى سلسلة جبال الهيملايا شرقاً حيث دحر الفرس في عقر دارهم وأطاح بالشاه الفارسي داريوش الثالث وفتح كامل أراضي إمبرطوريته، وفي مصر سميت الإسكندرية على إسمه، وكذلك في بلاد الشام سميت الأسكندرونة شمال سورية، ودخل صور ونكل بأهلها واستسلمت له القدس فدخلها بدون مقاومة، وتوفي في بابل في بلاد الرافدين دجلة والفرات في العام 323 قبل الميلاد.
لقد شكل إرث الإسكندر العظيم جانبا كبيراً من الشخصية اليونانية حيث إمتاز بحدة الطبع والإندفاع والعناد الشديد والتصلب في الرأي، ومع هذا كله فقد كان محباً للعلم والفلسفة بفضل معلمه أرسطو.
نستذكر هذا كله في خضم الأحداث الإقتصادية الجسيمة التي تمر بها اليونان هذه الأيام، حيث أغلقت البنوك أبوابها وباتت الدولة على شفير حفرة الإنهيار المالي جراء الإيغال في سياسة الإقتراض والتهاون في السداد أملاً في الدعم السخي من لدن الإتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية. وإذا ما تذكرنا العبارة التي ركز عليها أليكسيس تسيبراس رئيس وزراء اليونان وزعيم حزب سيريزا اليساري الحاكم منذ بداية 2015 عند دعوته للشعب بالتصويت بلا في الإستفتاء على العرض الأروربي بالمزيد من التقشف مقابل ضخ مزيد من اليورهات في البنوك اليونانية، فقد كانت عبارته الشهيرة هي (صوتوا بلا من أجل أن نعيش بكرامة) وهي القيمة الأساسية Core Value التي تشكل الشخصية الهيلينية، على الرغم مما يشاع عنهم بأنهم كسالى بالمقارنة مع جيرانهم الأوروبيين.
لقد إنخفض الناتج المحلي الإجمالي GDP لليونان في العام 2009 من 242 مليار يورو الى 179 مليار في العام 2014 اي بنسبة 26% وذلك بسبب الركود الإقتصادي Recession وهذا يعني انخفاض مماثل تقريبا لحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. لقد بلغ الدين العام في نهاية 2014 مبلغ وقدره 317 مليار يورو أي ما يعادل 177% من GDP وقد تم تخفيض العجز الى 305 مليار عن طريق خطة الإنقاذ الأوروبية واستمر العجز (المصروفات أكثر من الإيرادات) بإرتفاع طفيف منذ ذلك التاريخ حيث بلغت نسبته بالموازنة حوالي 3.4%، إلا أنه يبقى مبلغاً مهولاً تحتاج اليونان الى أكثر من ثلاثين سنة من التقشف Austerity لتجاوزه لأن نسبة الفائدة ارتفعت من 6% في العام 2014 الى 10% هذا العام ويزعم بعض المحللين الماليين بأن الإرتفاع سيستمر بحيث تأكل النار بعضها حيث تبلغ خدمة الدين في العام حوالي 20 مليار يورو تقريباً، ولا يمكن من الناحية الرقمية إطفاء الدين إلا بمعجزة في زمن الحقائق.
إن الخيارات التي امام اليونان بعد رفض برنامج سداد الديون المستحقة عليها هي محدودة جداً، فإما:
(1) أن تقلل الدول الدائنة من شروطها للإحتفاظ باليونان عضواً في الإتحاد الأوروبي من أجل تماسك الإتحاد، وضخ مزيد من القروض في خزائنها الخاوية مقابل الإلتزام ببرنامج للتقشف، أو
(2) أن يتم إخراجها من الإتحاد الأوروبي لكي لا يشكل تمردها سابقة لدول أخرى مثل اسبانيا والبرتغال التي تعاني ظروفا مشابهة، وبذلك ستضطر اليونان للعودة الى الدراخما والتضخم والدخول في نفق مظلم من الحصار وعدم القدرة على تمويل المشتريات بالعملة الصعبة التي تفتقدها.
البديل الأول، يبدو مرجحاً عملاً بالمثل القائل (لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم) لأن الجمهورية الهلينية عضو في إتحاد قوي يدعم بعضه بعضاً بالتعاضد، ولكن السؤال المطروح محلياً، من سيقف مع الأردن مع إقتراب الدين العام من نسبة ال 100% وكم تبقى لدينا من الأصول التي يمكن بيعها لسداد هذا الدين، سؤال أظنه يجول بخاطر الأردنيين وهم يراقبون ما آلت اليه اليونان التي ستلجأ الى مدخرات المتقاعدين والى تقليص الرعاية الصحية وغيرها لسد جزء من فوائد الدين، وقد تنحى اليونان وخاصة بعد الدعم الذي حصلت عليه حكومة تسيبراس من الشعب بنسبة 61% تقريباً الى العصيان والإصطفاف الى جانب الكتلة الإقتصادية الجديدة التي بدأت ملامحها بالتشكل من الصين وروسيا ودول أمريكا اللاتينية، فهل نملك في الأردن مثل هذا الخيارات ولا سيما ان بيضنا موجود في سلة العم سام، والأشقاء الكبار منهمكين في حل مشاكلهم المستعصية.