الفصيل الرابع
أمرنا ضابط شعبة التجنيد ان نركب الشاحنة العسكرية, في اواسط شهر كانون الاول , وكنا اكثر من اربعين , في سن الشباب والفتوة , التصقنا ببعض بشدة كي تتسع لنا الشاحنة , بعضنا جلس على الحافة وبعضنا افترش الحديد في ارضية الشاحنة , واصحاب الحظ فقط , جلسوا على مقاعد خشبية , وضعت على عجل على جوانب صندوقها , وكان علينا ان نمضي اربع ساعات على الاقل , محشورين متلاصقين , لنصل الى الزرقاء , حيث مركز التدريب , والطريق الصحراوي ممل , والشاحنة بطيئة , والهواء البارد يضرب وجوهنا , ويلامس آذاننا , وكأنه يقول , ذهبت ايام الراحة وبدأ الجد .
وصلنا الى معسكر التدريب , استقبلنا رقيب , اخذ قائمة اسماءنا , امرنا بالاصطفاف ,الامر الذي لم نحسنه , ولم يعجب الرقيب , واسمعنا كلمات كان علينا ان نتعود عليها في ايامنا القادمة , وبعد الفحص الطبي , استلمنا ثيابا عسكرية , ولا اخفي انني احسست بالفخر والزهو وانا البسها , واضع الطاقية (البورية) على راسي , وكنت أتمنى ان يكون في الفصيل الرابع الذي الحقوني به مرآة كي ارى نفسي بها .
اخذ منا التعب مأخذه لما دخل الليل , ولم ندري كيف غططنا بنوم عميق , لم يقطعه الاّ صوت العريف ركاد , بعد منتصف الليل بقليل , يأمرنا وبلا رحمه ان ننهض من على اسرتنا ونرتدي اللباس العسكري مسرعين للخروج الى الميدان , الذي توافد اليه جميع الفصائل , ليعلن الجنود المستجدين الحرب على نوم لم يتمكنوا منه طويلا , ركضنا حول الميدان , وقع بعضنا ارضا بعد دورة واحدة , الاّ اننا جميعا ردت الينا القوة بعد ان اخذنا بالنشيد ( الله الوطن الملك ) واغان حماسية , كان بعضنا يعرفها وبعضها علمنا اياها العريف ركاد .
وقبل ان يطلع الفجر , كان علينا ان نحلق شعر وجوهنا بماء بارد جدا يأتي من الصنابير في الحوض الذي يتوسط مهاجع الفصائل , وكم مر من السنين الاّ ان رائحة معجون الحلاقة لا يزال عابقا في انفي , ولما استطعنا ان نميّز وجوه بعضنا , الشمالية والجنوبية والوسطى , ابناء البادية والريف والحضر , ائتلفنا سريعا في عرى صداقة بعضها لم ينفك لهذه اللحظة , الم يقولوا ان صداقة الجيش اقوى صداقة , وبعد الافطار السريع في الميس كان علينا ان نعود لبرنامج سيكون يوميا من التدريب والتعليم والافهام لنا بأننا ابناء شعب واحد ودولة واحدة , واذا جاء وقت العشاء بعد المغرب قليلا كان علينا ان نخلد الى نوم عميق بعد تعب .
ثلاثة شهور كانت كفيلة ان نتعلّم فيها معنى حياة الانضباط والاخاء والفداء والتضحية وحب الوطن , انتهت ليخبر احدنا الاخر بأحلامه بعد الخدمة العسكرية , وأجمعنا على ان الايام التي مرّت علينا في المعسكر , كانت من احلى ايّام حياتنا .
لا ادري من الذي فكّر بإلغاء التجنيد الاجباري لخدمة العلم , ولكني اظنه قد اخطأ كثيرا .