عاجل
0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

عاصفة الحزم والتئام الجرح العربي

 

لم يعهد التاريخ العربي منذ الاحتلال الصهيوني لتراب فلسطين الحبيبة ، وفاقا أروع ولا أجمل ولا أعمق أصالة مما نراه اليوم في إجماع العرب من أجل اتخاذ قرار موحد ، والوقوف صفا واحدا متراصا لمواجهة المخاطر والتحديات التي تداهم عالمنا العربي من محيطه إلى خليجه ، بمختلف أشكالها وأبعادها .

 

 وأيا كانت الأسباب والمسببات التي أدت لهذا الموقف المشرف والتكاتف الذي ساده الوئام ووحدة الهدف ما بين الدول العربية ، فقد كانت هناك ضرورة ملحة هدفها الأساس ، هو وقف امتداد الخطر الشيعي البغيض ، وتغلغله في المنطقة العربية ، ممثلا بمحاولات إيران المستمرة ، التي لم تدع فرصة واحدة ومنذ مغادرة الشاه إلا وفعلتها من أجل الحصول على مكاسب وصفقات سياسية ، وتحقيق مآرب وهيمنة على بعض دول المنطقة وخاصة تلك الدول التي يتواجد من بين سكانها العنصر الشيعي ، والغاية من كل هذا كما هو معروف ، أولا وأخيرا هو محاولة نشر المذهب الشيعي في الأقطار العربية وتقسيم المنطقة على أسس مذهبية وطائفية ما أمكنها ذلك ، ما يسهل أيضا عملية بسط النفوذ الإيراني في تلك الدول .

 

 لكن المدَّ الشيعي الذي قوبل بمواجهة عنيفة ورفض شديد من قبل الشعوب العربية وبأغلبية ساحقة ، وخاصة مع وجود أولئك الذين يمثلون الغالبية العظمى من المذهب السني .. حيث أصبحت ظاهرة الدعوة إلى التشيع تأتي بأساليب متنوعة شتى ، وأهم تلك ا لعوامل ، هو العامل السياسي والعامل الاقتصادي وإذا لزم الأمر بالاعتماد على أساليب إرهابية ، من أجل إخافة الطوائف السنية التي آمنت بأن هذا المد الشيعي لا يمت إلى الإسلام بصلة ، ولا يخدم مصالح العرب بحال من الأحوال .

 

وعاصفة الحزم ، كما عرَّفتها بعض المواقع الإلكترونية ، هي عملية عسكرية سعودية، بمشاركة تحالف دولي مكون من عشر دول ضد الحوثيين والقوات الموالية للحوثيين وعلي عبد الله صالح.

 

بدأت عاصفة الحزم ، بتمام الساعة الثانية صباحا بتوقيت السعودية من يوم الخميس 5 جمادى الثانية 1436 هـ – 26 مارس 2015، وذلك عندما قامت القوات الجوية الملكية السعودية بقصف جوي كثيف على المواقع التابعة لمليشيا الحوثي والقوات التابعة لصالح في اليمن. تم فيها السيطرة على أجواء اليمن وتدمير الدفاعات الجوية ونظم الاتصالات العسكرية خلال الساعة الأولى من العملية. وأعلنت المملكة العربية السعودية فورا بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة. وحذرت من الاقتراب من الموانئ اليمنية. وكانت السعودية وعلى لسان وزير دفاعها قد حذرت قبل شن عمليات عاصفة الحزم من عواقب التحرك نحو عدن. وجاء ذلك بعد طلب تقدم به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإيقاف الحوثيين الذين بدأوا هجوماً واسعاً على المحافظات الجنوبية، وأصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن، التي انتقل إليها الرئيس هادي بعد انقلاب الحوثيين. وأعلنت دعمها السياسي والعسكري للعمليات العسكرية وعن ترتيبات تجريها مع دول الخليج للمشاركة في العمليات ضد الحوثيين ، وبدأت أول الضربات الجوية للطيران السعودي على مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية ومقر قيادة القوات الجوية التي كان الحوثيون قد سيطروا عليها وعينوا قائداً لها منهم، وأعلنت السعودية بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة، وهو ما أُعتبره حزب المؤتمر عدواناً على اليمن .

 

 في 21 أبريل 2015، أعلنت قيادة التحالف عن توقف عملية عاصفة الحزم وبدأ عملية إعادة الأمل، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديدا لأمن السعودية والدول المجاورة، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.

 

 لكن الجلي بالأمر .. أن اتخاذ هذا القرار الشجاع بشنِّ الضربات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن من خلال عاصفة الحزم ، قد جاء نتيجة بعد نظر حقيقي وشجاعة من القادة السعوديين الذين كانوا يعلمون أكثر من غيرهم بأن الحوثيين في اليمن ، ومنذ نشأتهم ، كانوا يشكلون خطرا حقيقيا على أمن واستقرار واستقلال اليمن وسلامة أراضيه ، كما كانوا يشكلون نفس الخطر على حدود المملكة العربية السعودية الجنوبية ، نظرا لارتباطهم المذهبي الوثيق والمطلق بإيران ، ولهذا فقد انطلقت عاصفة الحزم بإجماع عشر دول عربية شقيقة ، شاركت بهذه الحرب الجوية مشاركة فعلية وعن قناعة تامة من قادتها ، واتحدت المواقف مع الشقيقة المملكة العربية السعودية ، وقد بدا هذا الإجماع كدلالة واضحة على أن العالم العربي أصبح يدركُ بأن مشاكل العرب بما يواجهونه من تحديات خارجية ، لن يحلها سوى العرب أنفسهم ، وأن التجارب المريرة التي مرت بها الأمة العربية منذ أكثر من ربع قرن ، لم تجرّ على الشعوب العربية سوى الويلات والدمار والتخلف ، إضافة إلى اختلاف وجهات النظر ، واختلاف المواقف .. وخير دليل على ذلك ، فإن ما حدث على أيدي التحالف الغربي في المنطقة ، كان وبالا على الأمة العربية قاطبة ..

 

ومما خلفته تلك الويلات من كوارث حقيقية أدركها العرب متأخرين ، هو قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي التي كانت سببا في تدمير الأرض والإنسان في معظم دول العالم العربي ، حيث قاموا بإقصاء بعض الزعماء العرب الذين كانوا يقودون تلك الدول عن الحكم بشكل مهين .. كما فعلوا مع الرئيس العراقي صدام حسين حيث قاموا بقتله غيلة وظلما في يوم عيد الأضحى عام 2006 م على رؤوس الأشهاد ، وقد كان للشيعة الحاقدين دور كبير من أجل تنفيذ حكم الإعدام برئيس العراق في يوم عيد الأضحى المبارك .. وعلينا أن نلقي بنظرة فاحصة إلى العراق اليوم ، وما حل بشعبه السني بالذات من قتل وتدمير وتشريد وضياع ، حيث فقد العراق هيبته ولم يعد لهذا البلد الذي ظل يتصدر القوة العربية لعقدين من الزمن .

 

نفس البشاعة والطريقة الإجرامية استخدمت ايضا في تصفية الزعيم الليبي العقيد القذافي على أيدي الثوار الليبيين الذين كانوا فرحين بقيام الثورة الليبية ، التي لم يحسنوا استثمارها من أجل مصلحة ليبيا ، تماما كما حدث في العراق . ومن سوء الحظ فما زال الشعبان العراقي والليبي يجترَّان ويلات وآلام تلك الثورات الفاشلة، وعلى عكس تلك الثورات ، جاءت الثورة في اليمن مختلفة تماما عما كان في غير اليمن ، فقد حاول علي عبدالله صالح التشبث بكرسي الحكم ، وحينما أوشكتْ الحرب الأهلية هناك أن تبدأ ، أدرك علي عبدالله صالح بأن الثورة جادة في مطالبها وهي إزاحته عن الحكم فاستبق الأحداث وتنازل عن الحكم ، لكنه كان خبيثا إلى الحد الذي استطاع فيه أن يستثمر تنازله عن الحكم ، وتسليم السلطة ، وبذات الوقت كان يقوم بإعداد وتجهيز عصابات مسلحة في اليمن إلى جانب الحوثيين ، كثورة مضادة للشرعية ، ولم يلتفت القادة العسكريون الذين شكلوا الحكومة وقتها إلى أن نوايا علي صالح لم تكن طيبة ، بل لم يدركوا ما كان يخطط له إلا بعد فوات الأوان ، وبعد أن تمكن من تشكيل عصابات مسلحة قوية بمساعدة إيران ، حيث كانت إيران تخطط إلى ابعد من مسألة الإستيلاء على اليمن عسكريا لكنها كانت تخطط لجعل اليمن على ما يبدو ولاية شيعية بكل المقاييس تابعة لإيران ..

 

لكن إيران الشيعية ، لم تلبث أن انكشفت مخططاتها في المنطقة للملأ ، وأمَّا محادثاتها النووية ، فما كانت سوى لقاءات ومحادثات صورية ، لها أبعادها ومدلولاتها ومفاهيمها ، بل هي كانت عبارة صفقات استراتيجية أعدت لها في المنطقة ، وأما إسرائيل فقد كانت طرفا غير مباشر كما ظننا نحن العرب في تلك المحادثات ، لكنها كانت أكثر فاعلية وتماس وتأثير مباشر بتلك المحادثات .. وما اعتراضاتها المتكررة على المحادثات ، واصطناع الخلاف ما بين ( أوباما – ونتنياهو ) ، سوى جعجة لا معنى لها ، ولكنها ظلت تسعى للحصول على مكاسب وصفقات سياسية كبيرة ، وعلى أن تكون حصتها هي حصة الأسد .

 

 وأما المبعوث الأمريكي جون كيري إلى المحادثات ،الذي كان دائما يتظاهر بصعوبة المحادثات التي ظلت لسنوات تجري ما بينه وبين إيران ، في حين كانت الدول الأخرى المشاركة في المحادثات ، تعلم بأن مثل هذه المهزلة ، ما كانت لتستمرَّ لسنواتٍ عدة لولا أن كان في نيتها البحث عن تحقيق مكاسب وصفقات كبيرة هي الأخرى ومن أجل تنفيذ عدة أجندة لها أهميتها في المنطقة ..

 

كانت كل الدلائل على مدار السنوات الأربعة الماضية ، تشير إلى تردي الوضع العربي حيث كانت تتجه بوصلته إلى الاتجاهات الخاطئة ، فأصبح العرب ألعوبة بيد الغرب ، تسيِّرهم كما تشاء ، فجاءت ولادة عاصفة الحزم لتبين أن العالم العربي قد استيقظ من سباته وأصبح عالما له كيان وله إرادة وله جامعة يمكنها أن تقوم بواجبها على الوجه المطلوب ، ولهذا فقد أثبت العالم العربي بأنه اليوم يمتلك خيارات وقرارات وإرادة يحترمها الجميع . لذلك لاحظنا بأن مجلس الأمن والأمم المتحدة التي أيدت عاصفة الحزم وساندتها ، قد غيرت جذريا من مواقفها .. وأبدت ليونة لم نعهدها من قبل في أن يكون للعالم العربي كيان صلب وإرادة ثابتة ورأي ومواقف مستقلة .

 

 إنني حقيقة من وجهة نظري على الأقل استبشرت خيرا ، وأصبحت أظن بأن قادة العالم العربي يمكنهم أن يفعلوا الشيء الكثير من أجل أوطانهم وشعوبهم ، أن ساروا على هذا النهج ، وسوف يكون لهم موقف إيجابي واحد تتبناه جامعة الدول العربية ، ليثبتوا لكل الدنيا ، بأنهم قادرون على اتخاذ القرارات الصعبة باستقلالية تامة ، بعيدا عن إرادة الغرب وتوصياتهم وتوجيهاتهم .

 

 وإني لآمل بأن يصدر عن الجامعة العربية عما قريب قرارا صارما ، يلزم إسرائيل ويجبرها على الرحيل من الضفة الغربية ، وأن تساند الفلسطينيين بقوة وتناصرهم بشجاعة من أجل إقامة دولتهم في الضفة الغربية وعاصمتها القدس .. وعسى أن يكون ذلك قريبا بإذن الله ….

 

 والله من وراء القصد ،،،،