لهذه الأسباب لا يثق الأردنيون بحكوماتهم؟
مكرم أحمد الطراونة
حين الحديث عن ضرورة تماسك الجبهة الداخلية في ضوء محاولات التشويه المتكررة التي تستهدف المملكة، ينبغي علينا أن نفرق بين الاتفاق على الدولة بقيادتها، وهي الثوابت التي لا يمكن التنازع عليها، وبين الاقتناع بحكومات هذه الدولة ومسؤوليها، من حيث المنجز والأداء ومدى نجاحها في ردم الفجوة مع الشارع.
وحتى لا يقال إن هناك مساعي لتشويه صورة الحكومة والتقليل من دورها وإنجازها، نترك المجال للناس للاطلاع على تقرير “راصد، الذي نشر مؤخرا، وأيضا استطلاع الرأي العام الذي أعلنه مركز الدراسات في الجامعة الأردنية أمس، وهما كفيلان بالتأكيد على أن حكومة الدكتور بشر الخصاونة لم تختلف كثيرا عما سبقها من حكومات، وأن “سلة” إنجازاتها ليس بالمستوى الذي يمكن للمواطن أن يرضى عنه.
“ثلثا الأردنيين لا يثقون بالحكومة”، بحسب استطلاع الرأي. من المفهوم أنه لا يمكن الحديث عن تماسك الجبهة الداخلية دون الإشارة إلى أهمية وثوق الناس بمن يقودهم من حكومات، وهذه الثقة التي لا تتأتى إلا من خلال النهوض بهم كأفراد، وبدولتهم بشكل عام.
على الدكتور بشر الخصاونة وأعضاء فريقه الوقوف على هذه النسبة من عدم الثقة، وإيجاد إجابة عن تدنيها. بالنسبة لنا، فقد واكبنا جميع الملفات الإشكالية التي شكّلت تحديات واضحة للحكومة، ولسوء الحظ أخفقت فيها.
كثيرة هي تلك الملفات، ولكن نستطيع أن نجملها بعجالة. الأردنيون لا يثقون بحكوماتهم عندما لا تشتبك معهم في الميدان. رئيس الوزراء قام بجولات ميدانية عديدة لفترة معينة، وشكل لجنة وزارية من أجل متابعة الجولات، وحتى اليوم لم نطلع على عمل اللجنة ومخرجاتها، بينما تحدث تقرير راصد عن 1280 نشاطاً وزارياً ميدانياً. الكرسي والمنصب يأتيان على حساب العمل والإنجاز، لذلك لم نلحظ تقدما في أي ملف. الأردنيون عاطفيون، وكان يكفيهم منجز واحد في المرحلة الأولى لترتفع أسهم أي حكومة.
نعلم اليوم أنه لم يجرِ أي إصلاح في ملفات التعليم، السياحة، الزراعة، الاقتصاد والتنمية المستدامة. يشير تقرير راصد إلى أن الحكومة لم تحقق سوى 14 بالمائة من التزاماتها خلال العام الأول، إلى جانب توسعها بتلك الالتزامات.
ولأن رؤساء الحكومات جميعهم اتبعوا سياسة إدارة الدولة من خلف حجاب، لذلك نجد أن الاستطلاع أظهر أن أقل من نصف الأردنيين يتابعون عمل الحكومة. الناس لا تكترث. وأيضا، فقد انعدمت الثقة لأن الناس ملت من ترنيمة التباكي على عجز الموازنة والدين العام والضرائب التي أنهكتهم. لا أشكك بأن الحكومة تحاول أن تجتهد وتبحث عن حلول، لكن بلا أي نتائج.
الثقة بقدرة الحكومة على العمل مهمة جدا، رغم أن العلاقة بين الطرفين لا تقوم على مبدأ عاطفي. ولكن من المهم إيجاد حكومة تعبر عن حب البلد بالعمل والجهد والعطاء والإنجاز والمحاسبة ومحاربة الفساد. الانتماء للهوية لا يكون بالشعارات والبرامج الهلامية والخيالية، بل بالعمل على الأرض من خلال الممكنات لصنع مستقبل أفضل للأردنيين، لا أن نتركهم يغرقون في اليأس والسلبية.
العذر الذي صدع المسؤولون به رؤوسنا، هو أن بلدنا بلا موارد وتعتمد على المساعدات. هذا العذر عايشناه سنوات طويلة، ولكن أحدا لم يفكر في إيجاد حل جذري له، أو مخرج يحقق بعض الاستدامة المطلوبة في هذا السياق، بل لجأ جميع مسؤولينا إلى الاستسلام للواقع، واستساغوا طعم الهزيمة!
ليس من المعقول أن نخبئ رؤوسنا في الرمال ونتهرب من قول الحقيقة المرة، خوفا من هذا أو ذاك. البلد يحتاج إلى رجال لا يرتجفون عند المواجهة، بل يبادرون إلى المصارحة مهما كلفهم الأمر. والحقيقة هي أن حكوماتنا في واد والشعب في واد آخر، والحقيقة الأخرى أن الأردن يقف بلا تحرك للأمام على معظم الصعد، لأننا ببساطة عجزنا عن إدارة الدفة. فهل سنبقى بمثل هذا الضعف في إدارة المؤسسات المختلفة، أم أن عهدا جديدا من الإدارة الراشدة يتوجب أن نفرضه اليوم؟!
وكالة الناس – الغد