فتوى ابن ثعلب المغوار في رقص الصهاينة الأشرار
قال أبو الصافي بن دَخَنْ: أن المفتي ابن ثعلب، دخل على الوزير أبو المُقِيم بن ثابت،وكان يومئذ على الداخلية فقال السلام على الوزير
قال الوزير: وعليك السلام
قال ابن ثعلب : ما أمْرٌ أهَمَّ الوزير ؟! قال الوزير: وما أدراك أنني في هَمٍّ يا ابن ثعلب؟!
قال قد بدا ذلك في وجه الوزير أعزه الله وأعاذ سلطانه من البلايا، ومن الشر المستطير!
قال :نعم يا ابن ثعلب، إني والله لفي هَمٍّ، لو قَسَّمته على أهل الأردن لوسعهم .
قال ابن ثعلب: فاعرضه عليَّ لعلي أجد لك منه مخرجا يا سيدي، فإنه ما من شَرٍّ يدهمكْ، ولا غَمٍ يَعتريكْ، ولا خَطْبٍ يَجتويكْ، إلا وجدت لك منه مخرجا، فلقد أوتيتُ فقها، فلا أوجهه في أمر فأقلبه فيه، إلأ وجعلت له مصدراً وموردا
قال الوزير : إلا هذا يا ابن ثعلب، فما أظنك تستطيع أن تحتال فيه بفتوى، فهو ظاهر العَوَرْ، شديد الضرَرْ، ولا ينفع فيهِ الاستدراكُ، بعد إذ شاع فيه الخبر .
قال :أصلح الله الوزير فاْعْرِضْهُ علي فما يصح أن نفتي في مجهول
قال الوزير:نبئت من ثقة أن جماعة من اليهود قد مروا بأرضنا فلما كانوا في اجتماع من الناس، قاموا فرقصوا والناس من حولهم يرمقونهم بغضبْ، فما خجلوا وما انتهوا حتى أنهوا أهازيجهم وهم في نشوة وطربْ.
وافتضح الأمر وثارت العامة، وقد كنا نسمح لهم بالمرور من أرضنا فلا يُرى لهم أثرْ، ولا يُسمع لهم خبرْ، ثم إن الناس طالبوني بأن أفعل شيئا ولست بالذي يفعل فما الذي أملكه من أمر قوم من أحلافنا، قد رقصوا فرحين،وغنوا مستبشرين.
قال ابن ثعلب: فأين جرى كل هذا أعز الله الوزير؟
قال الوزير : هنا كانت المصيبة يا ابن ثعلب، فإن ذلك كله قد جرى في المطار يا ابن ثعلب،أيْ والله في المطار!.
قال :فما رَدَدْتَّ على من شنَّع في الأمر، وركب فيه مراكب الفتنة؟
قال الوزير:قلت إنهم لم يفعلوا هذا إلا دقائق معدودة،فما عساي أقول يا ابن ثعلب في هذا؟!
قال ابن ثعلب المفتي: أصلح الله الوزير ألهذا اغتممت ؟! وما هو بالذي يحملك على أن تغتمْ، ولو استشرتني بادي أمرك فإني به أعلم.
قال:وكيف ذلك يا ابن ثعلب؟
قال ابن ثعلب: أيها الوزير هذا من أسهل ما نجد له الفتوى،فإن ثار الناس وقالوا كيف يحدث أن يرقص اليهود في المطار، قلنا فإن الأحباش قد رقصوا في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه ما فعلوا وأجازه، ثم جعل عائشة وراءه لتطَّلِعَ على رقصهم.
والأحباش لم يكونوا من المسلمين، واليهود لم يكونوا يلعبون بالخناجر، والمسجد أعظم حُرْمَةً من المطار، فأي قولٍ بعد هذا لذي حجة عجفاء بها يُراوِغْ ؟!
فمن قال إن هؤلاء أعداء لنا، قلنا وأين العداوة؟ ولهم عندنا ميثاق تعاهدنا عليه وسِلْمٌ في رقابنا نؤديه إليهم، فإن قالوا فلا يستوي الحالان مثلا! قلنا لهؤلاء فأين الفارق عندكم؟
فإن قالوا إن هؤلاء احتلوا الأقصى وأخذوا فلسطين، وشردوا أهلها، فعداوتهم قائمة وحربهم دائمة، وإنما رقص الأحباش في المسجد بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب السلطان في المسجد، قلنا ونحن أصحاب السلطان في المطار، فلا يغرنكم أنه في رعاية الفرنسيين العلوج، فإنما كل هذا جعلناه في عقدٍ بيننا وبينهم، وليس مما يرفع سلطاننا عن مطارنا،فإنهم لا يلبثون إلا أن تُبْكِمِهُمُ الحجَّةُ، وتأخذهم من الدهشة بعد ذلك لُجَّة، ومن زاد في المراوغة بعثنا له المسالح فاعتقلوه،ومن شَذَّ عما عرضناه، وخالفنا فيما قلناه،حرضنا عليه الناس بوسائل إعلامنا فأهْمَلوهْ.
ثم إن الوزير أعجبه ما احتج به ابن ثعلب، وجعل له منبراً فقام في الناس خطيبا، فخطبَ وأسهبْ، وباعدَ وقربْ، وشرَّقَ وغرَّبْ، وأعجَمَ وأعرَبْ، حتى اختلط على الناس قوله، ولم يستطيعوا لحجته دفعاً، ولا لما أسقطه على رؤوسهم من أثقال فقهه رفعاً، ثم إن الأمر انطوى بِرُمَّتِهْ، وسار الناس كل إلى بُغْيَتِهْ، ولم يبق لذي غرض شيءٌ من حاجَتِهْ، لما سَدَّ ابن ثعلب الطُّرُقْ، وفرق الناس فيها الى فِرَقْ،فكأنما هو ثوبٌ صحيحٌ، فمزَّقَهُ بدهائِهِ إلى خِرَقْ.