القمة العربية كسابقاتها لن تقدم ولن تؤخر
القمة العربية القادمة في شرم الشيخ بمصر لو سُئل أي مواطن عربي عن القمة العربية ، لكان جوابه ابتسامة ساخرة ، فمسلسل القمم أصبح أشبه بنكتة ، لم تصل أكثر الأعمال الفنيّة الساخرة إلى مستوى السخرية الحقيقة التي تنتجها القمم ! هل يستطيع القادة العرب أن يوجهوا أي لوم وانتقاد للرئيس الأميركي لأنه يرتكب مع العدو الصهيوني فعل إبادة للقضية الفلسطينية ، ولأن حليفه مجرم الحرب الصهيوني التقط الضوء الأخضر لترجمة هذه الابادة عسكرياً ؟ الأرجح أنهم لا يستطيعون ، وإذا استطاعوا فإن اللوم أو العتاب أو النقد ليست كافية في حد ذاتها لصنع موقف عربي قوي . أما إذا عمدوا إلى الهروب من واقع التطورات الجهنمية التي تجتازها القضية ليقولوا انهم لا يزالون يعرضون مبادرتهم للسلام ويتمسكون بـ خريطة الطريق ، فإنهم يؤكدون بذلك أنهم أمة تتقن فن التعايش مع الأوهام والخدع والأكاذيب ، وأنهم لم يعودوا يتحدثون عن قضية لشعب فلسطيني إلا من قبيل الحفاظ على الشكليات ، أما الفعل والوقائع فهما من شأن الأميركيين والعدو الصهيوني المعنيين بانهاء تلك القضية وخنقها. القمة التي ستنعقد سيعتمدوا موقفاً واضحاً يخاطب العالم ليقول إن الولايات المتحدة أقفلت عملياً كل آفاق السلام وأبوابه على رغم كل الاستعدادات التي أبداها العرب والتنازلات التي لوحوا بها . يفترض أن يتقبل عرب أميركا مثل هذا الخطاب إذا كانوا لا يزالون معنيين بقضية شعب عربي واقع تحت احتلال لا يتعامل معه إلا بالإرهاب والوحشية ، ويشكل بؤرة تخريب وعداء في المنطقة. ومهما كانت حاجة هؤلاء إلى الرضا والدعم الأميركيين ، فإنهم يحتاجون إلى حل للصراع مع العدو ، والحل – عندهم – في يد أميركا ، لكن أميركا لا تبدو في صدد تحمل مسؤوليتها ، سواء كانت في موسم انتخابي أم لا. وهي تعرف سلفاً أن هذه القمة كسابقاتها لن تقدم ولن تؤخر بل إنها فقط مناسبة مثل غيرها من الاجتماعات العربية التي يجتمع فيها كبار القوم يتبادلون الكلمات الودية وعبارات الشكر والتقدير وأحيانا العتاب وبعضهم يحضر القمة ليمارس هواية النوم في قاعتها ويتم دعوتهم خصيصاً لهذا الغرض لكنهم جميعاً في النهاية لم ولن يضعوا يدهم على الجرح ولم ولن يفكر احدهم كيف يخرج بهذه الأمة من وضعها المتردي الذي وصل إلى الحضيض .
القمة ربما لديها أجندة تريد تنفيذها من خلال القمة القادمة ويمكن أنها تفكر في الخروج بقرار جديد يرحل كل ازماتنا إلى مجلس الأمن والتحالف الدولي الذي يجري حالياً الترتيب له بتوجيهات أمريكا التي تريد أن تكون هيمنتها علينا بقرار من لدينا حتى يكون التدخل والهيمنة على أصولها. اعتقد أن كل الخبراء في السياسة والإعلام يعرفون تماماً أن الجامعة انتهت ولم يعد لها أي دور يذكر حتى اجتماعاتها العادية تشهد انقساماً كبيراً بين مندوبي الدول العربية على أتفه الأمور إلى حد أن هؤلاء المندوبين لم يتفقوا على أي قرار هام منذ سنوات طويلة وهذا يدل على عجز كامل وكبير في منظومة العمل العربي المشترك الذي تمثله الجامعة العربية بل أنها رأس الهرم فيه ويجب البحث عن بديل وهذا صعب جداً في ظل الوضع العربي الراهن الذي يشهد سقوطاً لكامل النظام العربي وتفتت لكافة دوله بل تفتيت متعمد لبعضها من قبل دول عربية شقيقة لها بعضها من باب الثأر والأخر من باب التآمر الدولي وبتوجيهات أمريكية.
ومما لاشك فيه أن هذه القمة سيكون مصيرها الفشل الذريع على اعتبار أن قرار العرب الآن ليس بأيديهم إطلاقا ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه وأتحدى أن تخرج هذه القمة بأي قرار هام يجمع عليه الذين سيجتمعون في القمة بل أن ما سيتمخض عن هذه القمة سيكون مجرد بيان طويل عريض يتم صياغته إنشائياً بعناية يجامل البلد المستضيف للقمة ويشكر القادة العرب الذين تفضلوا بالحضور وتركوا بلدانهم وبيوتهم وأسرهم وجاءوا لحضور القمة تلبية للدعوة الموجهة من رئيس القمة الذي يتربع على العرش لمدة عام ليضاف إلى جوار منصبه الأصلي لقب رئيس القمة العربية. لقد أصبح المواطن العربي يعي تماماً أن هؤلاء الذين يجتمعون كل عام ويتم تصويرهم عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة هم سبب تعاسته وهم الذين أوصلوا الوضع العربي إلى هذا الحد من التردي والانحطاط وأدخلوا أعداء الأمة إلى بلداننا ليتحكموا في مصائرنا ويقتلوننا ويدمرون بلداننا بأموالنا التي يتم ضخها إليهم بحجة ضرب الإرهاب الذي صنعوه هم ليخيفونا به ويجعلونا نستدعيهم إلينا وبالتالي فإن هذه القمة العربية تأتي في إطار البحث عن دور مفقود لبعض الزعماء الذين يريدون الآن الظهور والبروز فقط مهما كان ولو كان ذلك على حساب المواطن العربي البسيط الذي يتمنى أن يكون هؤلاء القوم عند مستوى المسؤولية ومن يراجع أحداث التاريخ على المستوى القريب والبعيد يجد أن سلسلة من القمم العربية التي تتالى عقدها على مراحل مختلفة ونتيجة أول قمة كآخر قمة عبارة عن بيانات شجب وإدانة واستعراض خطابات والذي ينجح فيها فقط هو التآمر على بعضنا البعض بينما المفقود هو المصلحة العليا للمواطن العربي.
بقلم جمال ايوب