ما بين كابل والرباط كثيرُ من المحتفلين والشامتين
لن تبدو المقارنة مستغربة عند التمعن الجاد في كلتا الحالتين، ففي كل منهما ولد نموذج من الحكم مختلف كليًا عن الآخر.. فالمأزق الأفغاني بدأ عندما قررت الولايات المتحدة إضافة هدف جديد لمنظومة أهدافها السابقة هناك، وهو إنشاء أمة ديمقراطية موالية لها تيمنًا بالتجربة اليابانية، مما أطال عمر الغزو وكانت النتيجة كما رأيناها في مطار كابل، فقد ارتكبت الولايات المتحدة خطأين جوهريين:
الأول أن أفغانستان تلك البلاد القاحلة لا تشبه بأي حال من الأحوال اليابان التي كانت بلدًا صناعيًا كبيرًا تميزت نخبه بالنضج والعقلانية، إذ تمكنت بسرعة من استيعاب الهزيمة وتحويل التحدي الأميركي إلى فرصة نهضت بها
اليابان من جديد.
العنصر الثاني هو خطأ الأميركان في استيعاب المعادلة الأفغانية متعددة الأعراق والمذاهب، وفي نفس الوقت
متعدد الولاءات، فالدين هناك ليس محصورًا في إطار العبادة بل هو في أحوال عديدة يحاكي المكون الأثني
ويعبر عنه، لذلك بعد عقدين من الزمن وجدنا أن عناصر سوء الفهم الأميركي كانت سببًا رئيسيًا في إنهيار
نموذج الديمقراطية المدفوع من الخارج.
لنعد إلى المغرب، فبعد أحداث (الربيع العربي) ُأنيطت برئيس الوزراء الممثل لألغلبية البرلمانية صالحيات تنفيذية
كبرى، وجرت انتخابات 2011 ،2016 على هذا الأساس، وتسّيد حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الأسلامي المشهد
السياسي على مدى عشر سنوات، اعتقد الجميع أن الأمر قد ُحسم تمامًا لمصلحة الأسلاميين على مدى العقود
القادمة ولا مجال إلزاحتهم إلا بواسطة الجيش كما حصل في بلاد عربية أخرى، لكن المغاربة أصروا على فرادة
تجربتهم فاستخدموا اللعبة الديمقراطية في إحداث التغيير، وهذا ما حصل في انتخابات 2021 إذ تراجعت
الأيديولوجي؟ أمام مصلحة الناخبين، فواجه الحزب نتيجة إخفاقه في تلبية مطالب المجتمع تصويتًا عقابيًا دفع به
إلى ذيل القائمة في سلم النتائج.
خلاصة القول إن تجربة الدمقرطة المفروضة من الخارج أخفقت ألنها فشلت في قراءة واقع الشعب الأفغاني
وتقسيماته العرقية والمذهبية وأرادت فرض نموذج ال يتماشى أبدًا مع ذهنية ذلك البلد، لذلك كانت النتيجة عودة أشد نماذج الحكم انغلاقًا وتشددًا مما سيعيد البلد إلى مربع العنف والاحتراب الاهلي في دورة أخرى من المعاناة
والتشرد، لكن هذا النموذج الجديد وجد من يحتفل به ويشمت بأعدائه، على اعتبار أن ذلك عودة جديدة للصحوة
الإسلامية.
أما في المغرب حيث تعايش التحول السياسي مع طبيعة المجتمع وموروثه الثقافي بل مع نكاياته السياسية وامراتها واستطاع أن يستوعبها في نموذج فريد من نوعه، وجدنا حزبًا إسلاميًا يخسر السلطة ليس بواسطة الجيش هذه المرة بل بواسطة الصناديق.
وهذا الحدث لم يكن مستوعبًا لدى الكثيرين لأن القناعة السائدة بأن الناس كانوا يصوتون للدين فقط وليس
لمصالحهم، أصبح شيئًا من الماضي، بعد ما نسفته التجربة المغربية، إذ أن التصويت المصلحي هو العنوان
الأساس في اللعبة الديمقراطية، طبعًا احتفل الكثيرون بخسارة حزب العدالة المغربي واعتبروا أن ذلك بداية أفول
االاسلاميين، لكن يمكن قراءتها من جانب آخر بأن التجربة الحزبية تنضج بالتكرار وباستمرار استعمال الوسائل
الديمقراطية.
ومن هنا أعتقد أن حزب التنمية قد يكون كسب وإن خسر، فإن انصياعه لنتائج الصندوق يعني شيئًا واحدًا هو أنه
يؤمن بأن الصندوق هو الحكم الوحيد في صناعة المستقبل السياسي ألي حزب، طبعًا بعد تكّون هذه القناعة
ستتحول الخطابات لسياسية إلى أذونات صرف مؤجلة تحاكي مصالح الناخبين وليس مجرد استعراضات بالغية
جوفاء، ومن هذه النقطة تبدأ صناعة المستقبل على أسس راسخة.
كتب. د. منذر الحوارات