إنتخابات هندسية غير شكل
مما لا شك فيه أننا نعيش مرحلة تحول في المنطقة طال إنتظارها، فبات الإستقطاب بين الناس على أشده، فهناك من يدعون للاستناد الى الشريعة كنهج حياة وإقتصاد، واتبعوا اسلوب الكفاح المسلح للاستحواذ على أراضي يقيمون فيها الخلافة الإسلامية بالرصاص والدم والنار، وهناك من اختاروا الإحتكام الى الصناديق للحاق بركب الامم التي سبقتنا والتي فصَلت بين الدين والدولة، فساد العدل النسبي، وشاع الرخاء والثراء.
وقد يقول قائل بأن هذا الطرح يساعد على تعزيز الاستقطاب، بدعوى ان هناك تيارات اسلامية معتدلة تتخذ من الصناديق بوابة لها للوصول الى الحكم، وخير دليل على ذلك النموذج التركي الذي نقل تركيا الى مصاف الدول المزدهرة، فأين نحن في الاردن بين النموذجين.
لم يعد خافيا على أحد بأن الحركة الاسلامية في الاردن كانت سلمية بطبيعتها وسعت من خلال نشاطها الخيري والنقابي الى استقطاب اكبر شريحة ممكنة من المجتمع لتصنع كتلة وازنة تصب اصواتها في النقابات والبرلمان في الوقت المناسب، فالى اي مدى ستنجح الحركة في البقاء في إطار السلمية لطالما انخرط مثلها الأعلى ممثلاً بالنموذج التركي في الحرب المسلحة في سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
واهم من يظن بأن هذه السلمية التي يمارسها الأخوان المسلمون ستدوم، وسرعان ما ستُحلّ ربطات العنق وتلبس العمائم وتمتشق السيوف والبنادق، لأن الاردن جزئية ضمن تنظيم دولي أكبر، وشعارهم (وأعدوا) ولكن… لمن هذا الإستعداد وبإتجاه من ستوجه فوهات البنادق عندما يأمرالأمير بذلك.
كجزء مهم من المجتمع الاردني، يعيش المنتسبين لنقابة المهندسين الاردنيين هذه الايام احدى محطات (وأعدوا) حيث يسّخرّ الأخوان مبالغ طائلة من موجودات النقابة لتلميع صورتهم لإحكام السيطرة عليها لسنوات قادمة كأحدى الحلقات المهمة التي تؤمّن التمويل اللازم لصرفها في الأوجه الأخرى والوصول الى الحكم، فلماذا نعارض هذا النهج لطالما آمنا بالديمقراطية سبيلا ومنهج حكم، أليس من حقهم أن يحكموا؟
معارضتنا لذلك نابعة من خوفنا في إستخدامهم للديمقراطية كالفوط الورقية لمرة واحدة، حيث تستخدم وترمى الى غير رجعة، ودليلنا على ذلك أن المرجعية الفقهية التي يستند اليها هذا التيار تسعى الى إقامة الخلافة بالحديد والنار، فهل نحن امام حتمية تاريخية لا مفر منها.
حتى لو سلمنا بحتمية انتصار الاسلام السياسي، فهل سيتعايش الأخوان المسلمون مع داعش والقاعدة وجند الشام وجبهة النصرة وانصار بيت المقدس وانصار الشريعة وحزب الله وغيرها، ام ان تاريخ الاقتتال والتناحر الذي بدأ منذ اليوم الأول لوفاة رسول البشرية محمد عليه الصلاة والسلام، وحتى سقوط الامبراطورية العثمانية قبيل الحرب العالمية الأولى سيستمر ويستعر، فهذا يكفر ذاك، وذاك يطلب المبايعة… وإلا.
إن ما تشهدة نقابة المهندسين هذه الأيام من تنافس للفوز بمقاعد في الشعب الهندسية، هو أحد حلقات الشرق الأوسط الجديد الذي اصبح واضحاً للكثيرين، حيث تم تدمير الجيوش الوطنية، وتقاسم الارض والنفط والغاز لمصلحة الابقاء على اسرائيل قوية مقابل مجموعات متناحرة لعقود.
وفي التفاصيل، نلاحظ ان الاسلام السياسي لا يتردد في خلط الأوراق للوصول الى الحكم، فتراه يستخدم المهنيين لضربهم بعضاَ ببعض، ويمول قوائم منافسة ويدعمها بالباطن ليشتت الصفوف ويسود، فهل سينجح في ذلك؟
حتما سينجح، لو أن بعض المستقلين اغفلوا عن حقيقة أن هذه الانتخابات غير شكل، لانها تجسيد للاستقطاب بين معسكرين، الأول لاهوتي يتماهى مع فكر الدولة الاسلامية في العراق والشام، والثاني حضاري يسعى للوصول الى تكريس مبدأ تداول السلطة من خلال صناديق الانتخاب بالتداول وليس بالفوطة.
حتما سينجح، لو أن جمهور الشباب من المهندسين سار خلف حب النفس (الأيجو) الفردي ظناُ منهم بأن العواجيز قد اخفقوا في النهوض بالنقابة لما يحبون ويرضون، فقاموا بالتشكيل في قوائم لا يربط بينها إلا (الأنا) التي لا تبني بلداَ في زمن (نحن) الجامعة.
إن ما ستشهدة إنتخابات الشعب الهندسية الاسبوع القادم، هو تنافس على مرحلة يتلوها التنافس على عضوية مجلس النقابة، وهي الأهم، وحتى لو تمكنت قائمة من تحقيق إختراق في شعبة العمارة مثلاً وبنتيجة (7-0) فإن تمثيل الشعبة المعمارية في المجلس سيكون بواقع واحد من عشرة أعضاء، فما هي السياسات التي يمكن أن يفرضها هذا التشكيل غير أن يكون أداة طيعة وديكور مؤقت الى حين.
لجمهور الشباب الذي سئم المناداة بالتغيير ولم يرى شيئا حقيقيا على أرض الواقع أقول: تريثوا قليلاً وفكروا عند التأشير على ورقة الإنتخاب، فصوتكم قد يكون عدوكم.
نعم… إن هذه الإنتخابات غير شكل، لأنها (مهنية-سياسية) بإمتياز، ولنتذكر بأن ليس كل مهني محترف هو وطني محترف، وكم من المحترفين الكبار خدموا القتل والدمار من حيث لم يدروا… انها لعبة الأمم، ومن حق الأردن علينا ان نحميه:
بيد جنودنا البواسل والمهندسين المرابضين في شتى المواقع لصد أصحاب الفكر المتطرف عنا،
بلسان مثقفينا للدعوة الى المعروف والنهي عن التطرف….
بصوتنا الانتخابي الذي يصب لدعاة الوسطية والإعتدال….
فسيذوب الثلج الأبيض ويظهر المرج الأخضر مع إشراقة يوم الثلاثاء القادم … فالأردن بإنتظاركم.