العراق إلى الانفجار
كل ما تعنيه الكلمة من معنى، فإن العراق يُدفع وبقوة إلى الانفجار، فتصرفات رئيس الحكومة نوري المالكي وفريقه السياسي لا تشير سوى بانتحار هذا البلد، خاصة مع عدم التوصل إلى أي حل يرضي الجموع الغاضبة التي تزداد يوماً بعد آخر وجمعة تلو أخرى.
تشير الخارطة العنفية في العراق إلى أنه وبعد الاحتلال الأميركي لهذا البلد في ربيع عام 2003، تفجرت أغلب المدن العراقية بوجه المحتل الأميركي، غير أن هذا التفجر اتخذ بعداً كبيراً وتصاعدياً في مدن ما بات يعرف لاحقاً بعرب السنة، وتحديداً الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالي وبغداد، وأيضاً قبل التغيير الديموجرافي والتهجير القسري لأهل السنة هناك.
وتشير اليوم خارطة التظاهرات إلى ذات المناطق التي شهدت أعنف المعارك ضد المحتل الأميركي، والتي استطاعت بفعل بطولات المقاومة العراقية، التي تغافل عنها الإعلام العربي والعالمي، أن تلحق خسائر مليارية بالخزينة الأميركية، ناهيك عن أكثر من 5 آلاف قتيل أميركي و ألاف الجرحى، وأمراض نفسية باتت تشكل تحدٍ كبيراً لإدارة واشنطن، وبالمقارنة بين خارطة المقاومة العراقية مع نظيرتها، خارطة التظاهرات، يمكن إدراك حقيقة جوهرية ألا وهي أن هؤلاء الناس الذين تظاهروا، سبق لهم أن كانوا مقاتلين أشداء، وبالتالي ليس من السهولة ترويضهم ببعض اللجان الكاذبة التي يعمد نوري المالكي لتشكيلها لامتصاص نقمة هؤلاء الغاضبين.
إن ما يزيد المشهد العراقي أن هؤلاء المقاومين الذين ارتضوا الآن التغيير بطرق سلمية من خلال التظاهر، وهو حق مكفول دستورياً، لم يجدوا من المالكي وفريقه السياسي إلا التصعيد، والتحشيد ضدهم، بل قامت حكومة المالكي بالإشراف، وفقاً لمعلومات، على تشكيل ما يعرف بجيش المختار، الذي يتزعمه رجل دين مغمور اسمه واثق البطاط، فرغم أن المالكي ادعى أنه يقوم بالتحري لإلقاء القبض على البطاط، فإن الدلائل تشير إلى أن البطاط ما كان يجرؤ على تشكيل مليشياته إلا بضوء أخضر من المالكي.
ليس لدى المتظاهرين ما يخسرونه، إذا ما استمر الأداء السياسي للمالكي وجماعته، وبالتالي فإن زيادة الضغط عليهم بهذا الشكل السافر من قبل المالكي، قد يؤدي إلى الانفجار، وهو انفجار لن ينجُى منه أحد، لا المالكي ولا فريقه السياسي، وطبعاً لن ينجُى منه العراق ككل.
الأخطر، أن المالكي زاد من حدة تصرفاته الطائفية بعد أن أوحى لميلشيات تابعة لمكتبه الخاص بشن حملة تهجير على أساس طائفي في بغداد، وهو أمر يرى فيه المتظاهرون بأنه خط أحمر، خاصة بعد عملية التهجير الأولى لأهل السنة التي استمرت من عام 2003 حتى وقت قريب.
التفجيرات الأخيرة التي ضربت مناطق شيعية في بغداد، أثارت هي الأخرى موجة من التساؤلات، فهل يعقل أن كل هذه السيارات تضرب في مناطق معينة ببغداد رغم كل الطوق الأمني المضروب حول العاصمة؟
وهل يعقل أن هذه التفجيرات أخبر عنها زعيم ميلشيا جيش المختار واثق البطاط قبل يومين من وقوعها، دون أن تتمكن أجهزة المالكي من الوصول إلى الفاعلين قبل وقوع التفجيرات؟
ألم يقل المالكي وفريقه إن المتظاهرين السنة هم من يقف وراء التفجيرات التي تضرب بغداد ومناطق أخرى من العراق، فكيف وقعت هذه التفجيرات وأهالي المحافظات السنية الخمس ممنوعون من دخول بغداد؟
ثم أليس من المعيب أن يتهم فريق المالكي المتظاهرين السلميين، بالوقوف وراء هذه التفجيرات؟
إن الأداء السياسي لفريق المالكي، يقود العراق إلى الانفجار، انفجار يقترب كلما أصر هذا الفريق على التصعيد ضد احتجاجات شرعية ومنطقية وحقوق ومطالب أقل ما يقال عنها إنها حقوق لا يجب أن تمنح أو توهب، بل هي حقوق.
لقد تمكن نوري المالكي من إماتت عقلاء الشيعة، وجعلهم أقلية، وسخر أدواته لتشويههم وتشويه صورتهم، بينما لن يكون بمقدور عقلاء السنة أن يمسكوا زمام أمور جمهورهم الهائج نتيجة الظلم الذي مورس عليهم طيلة عقد من الزمن.
فهل يدرك المالكي أنه يقود العراق إلى انفجار يبدو حتمي في ظل غياب أية رؤية منطقية للحل؟
أشك في ذلك، بل من يلاحظ أداء المالكي وفريقه السياسي يكاد يجزم أنه يدفع وبقوة العراق إلى
الإنفجار، ولكن لمصلحة مَن؟
هل يسعى المالكي لتقسيم العراق فعلا، ويحلم أن يكون القائد الأوحد لإقليم شيعي؟
هل هذا حلم وأمنية نوري المالكي؟