الأردن بين ثمن الاعتدال وضريبة الإرهاب
قد يكون من الصعب دعوة الأردنيين لضبط النفس، وعدم الاستسلام لفكرة الانتقام، والاقتصاص من قتلة الطيار معاذ الكساسبة، وممن يدعمهم ماديا ويقف وراءهم فكريا ولوجستيا.
لكن هناك فرق بين الثأركعمل سياسي، ووطني محكوم بحسابات معينة، وبين الاستدراج لحرب طويلة. وما يقوم به الأردن منذ إعدام الكساسبة، يظهره وكأنه يتصرف بشكل فردي، وأن تصعيد مشاركة قوى التحالف الأخرى في الضربات التي توجه للتنظيم منذ إعدام الطيار الأسير، يبدو أقرب للتصعيد التضامني، ويتم تحت ضغط الشارع، ومشاعر الغضب التي أشاعها الأسلوب البشع الذي اتبعه التنظيم الإرهابي، في تصفية الطيار الشهيد.
الأردن في سياق هذه المواجهة يحتاج لما هو أبعد من التضامن. وإلى أكثر من المساعدة. فالأردنيون يحتاجون إلى صيغة أمان كاملة، تنجيهم من الحريق الذي تعيشه المنطقة، وتبعدهم عن الشرور التي تتربص بها، حتى يحافظ وطنهم على الدور الذي قام به منذ تاسيسه وعبر تاريخه.
ففي التاريخ الحديث للمنطقة كان الأردن يلعب دوما دور واحة الأمن في إقليم مضطرب، وكان يلعب هذا الدور لا لصالح مواطنية فحسب، بل لصالح مصالح إقليمية ودولية لم يكن له فيها ناقة ولا جمل.
هذا الدور هو الثمن الذي قد يدفعه الأردن اليوم، وهو يواجه تحدي الإرهاب. إذ أن الدول والقوى الإقليمية والدولية التي كانت تضمن أمن الأردن وسلامته، تاريخيا، لا يبدو أنها قادرة، أو مستعدة للقيام بهذه المهمة الآن. وتنظيم داعش الذي استشرى في مناطق واسعة في سوريا والعراق ولبنان، لا يجد في الأردن ما يجعله استثناءً من مخططات عدوانه وتوسعه.
والرهان على أن الأردن محمي بمقومات جيو سياسية، وأن إسرائيل لن تسمح لأسباب أمنية خاصة بها، بوجود تنظيم إرهابي ومتطرف على حدودها، مع الأردن، هو رهان نظري، وربما غير صحيح، وهو اليوم موضع مراجعة في ظل شواهد كثيرة تنقضه وتقلل من قيمته.
فحتى مع استبعاد نظرية المؤامرة التي تربط بين إسرائيل وتنظيم داعش، من حيث المنشأ والأهداف، فإن التنظيمات الإسلامية المتطرفة موجودة على حدود إسرائيل فعلا، لا احتمالا. وجبهة النصرة، التي لا تختلف في التوجهات الفكرية والسلوكيات الميدانية عن داعش، لا تتخذ مواقع لها قرب “حد فصل الاشتباك السوري الإسرائيلي” في الجولان فحسب، بل تتعاون لوجستيا مع إسرائيل، ويستشفي مقاتلوها عند اللزوم في مستشفياتها.
كذلك فإن حزب الله اللبناني، المصنف إسرائيليا وغربيا بأنه تنظيم متطرف وإرهابي، موجود منذ سنوات عديدة على الحدود الجنوبية للبنان، ويمتد الآن إلى خطوط تماس جديدة مع إسرائيل في سوريا، ولن يضير تل أبيب بخلاف ما يعتقد الكثيرون، “سلخ الشاة بعد ذبحها” وأن تكون هناك تنظيمات متطرفة أخرى في الأردن، بل إنها قد تمهد لفوضى على الطريقة الإسرائيلية.
والفوضى التي تتطلع لها إسرائيل في الأردن، هي الفوضى التي تجعل من الاستنجاد بإسرائيل، أمرا مشروعا، لا من قبل الأنظمة، فحسب بل من قبل شعوب المنطقة، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة في المنطقة على مواجهة الإرهاب والاقتصاص منه. وقد رأينا إرهاصات لهذا الاستنجاد، لدى بعض رموز المعارضة السياسية الحزبية السورية والعراقية التي زارت إسرائيل وأبدت روحا تصالحية للتعاون معها في سبيل الخلاص مما تمر به بلدانهم.
هذا السيناريو قد يتكرر في الأردن عند وقوع الفوضى وسنجد أن هناك من يبدي استعدادا للتعاون مع الشيطان في مواجهة الإرهاب، وعندها فإن كل شيء بثمنه، والثمن الذي قد تطلبه إسرائيل سيكون سياسيا، يرتب المنطقة على مقاسها وحسب مصالحها.
هذا الثمن سيكون باهظا على بلد صغير. فهذه الحرب بالرغم من أنها حرب الأردن بامتياز، وهو مستهدف فيها ، إلا أنها ليست حربه وحده، وحصته فيها يجب أن تتناسب مع حجمه. والموقع الجغرافي للأردن لا يبرر مطالبته بما لا يطيق، بل بما يليق. وهذا يعني أن تكون المواجهة كاملة، لا ترقيعية، على طريقة حرب القاعدة في أفغانستان أو العراق، وأن يشارك فيها الجميع مشاركة حقيقية بهدف الحسم، لا المناورة السياسية، أو الممحاكات الإقليمية والدولية.
ترك الأردن على رأس المواجهة، في حرب مفتوحة يتحمل العبء الأكبر فيها ويدفع ضريبتها الأعلى، ماديا وسياسيا، سيكون مكافأة ظالمة لدور معتدل حرص عليه طوال تاريخه. خاصة أن هذه الحرب ليست من صنعه، بل كان ضحية من ضحاياها