عاجل
0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

هنا عمّان

هنا عمّان / محمد بدر
نعم ، هنا عمّان . وعمّان ليست العاصمة فقط . فهي الجزء الذي يدلّ على الكلّ . إنها القرية التي كبرت وتضخّمت حتى أصبحت بحجم الأردن . فالأم تضمّ في حضنها وتحت جناحيها كل الأبناء من كلّ المدن والقرى . ويندر أن لا يكون لأيٍّ منها ذكرٌ أومكانٌ فيها .
إنها كلّ الأشياء الجميلة ، نحبها و نأنس بها . فوسط البلد بكلّ ازدحامه ، وأسواقها القديمة التي تحمل عبق الماضي ودفء الحاضر . كل الأماكن الجميلة التي لا تغيب عنها الحياة ليلا أو نهارا ، وعلى مدار العام . المسجد الحسيني وروحانيّته وصلاة الجماعة فيه التي لا تنقطع ، سقف السّيل وحميميّته ، مطعم هاشم وسمعته ، كشك أبو علي ودوره الثّقافيّ .
فعمّان ليست غابة الأسمنت والعمارات الفخمة والفنادق التي لا يستطيع الأردنيون دخولها . وليست المناطق الراقية والتي أصبح سعر متر الأرض فيها خرافيّا . إنها كلّ الناس الطّيبين ، الذين يملئون الشوارع والمقاهي والمطاعم والمحلاّت التّجاريّة . الذين يتحرّكون بجدّية وهم يعرفون هدفهم ، أو الذين يتسكّعون بلا هدف . فكلّ ما تحتاجه موجود ،وكلّ من تبحث عنه ستتقابل معه يوما في مكانٍ ما فيها . وليتَ الدّروب تجمع اثنينِ صدفةً … .
لذلك ، كان لهذه الجملة عندما يصدح بها صوت أحد المذيعين بصوتٍ جميلٍ معبّر ” هنا عمّان ، إذاعة المملكة الأردنيّة الهاشميّة ” فعل السّحر في عقول الأردنيين . فكلّ فرد يشعر بأنّ الإذاعة له وأنّ المذيع يُخاطبه شخصيّا . وأنّ ما يُقدّم فيها يُحاكي حياته ، تستنطق آلامه وآماله . فقد كانت الإذاعة تحمل رؤيةً ومشروعا جامعاً .
كانت ” هنا عمّان ” فردا من أفراد الأسرة الأردنيّة ، وهل تستغني أُسرةٌ عن أحد أفرادها . يستقبلهم صباحاً صوت الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني ببرنامجه الديني الذي ينساب من الروح إلى الأرواح ومن القلب إلى القلوب . يليه الحاج مازن القبّج وسمر العزيْزي وبرنامجهم الزراعي بطريقة محببة يفهما المزارع ويقبلها المستمع . وتستمر البرامج تُخاطب الجميع دون أن تنسى فئةً أو جهة ، كلٌّ يجد فيها متعةً وفائدة .
ومن أكثر ما اهتمّت به الإذاعة البحث عن الفلكلور الأردني الشعبي وتقديمه بصورة جميلة عبر أصوات اجمع الناس على جمالها وقربها منهم فكان توفيق النّمري وجميل العاص وسواهما من الذكور . وكانت سلوى وسميرة توفيق وسواهما من الإناث . بكلمات مفهومة ، دون إسفاف ٍ ، يدندن بها الصغير والكبير من الجنسين . كما وأبدعت في الأغاني الوطنيّة بكلماتٍ لها مبنى ومعنى ، تعبّر عن حبّ الوطن والاعتزاز به . فاجتمعت قلوب الأردنيين من أقصاه إلى أقصاه في مدنه وأريافه وبواديه على قاسمٍ مشترك وهدف واحد .
هذه الإذاعة بتلك المواصفات كان على رأسها رجالٌ أحبوا الأردن وآمنوا بدوره على رأسهم البار الأصيل صاحب الرؤية المرحوم وصفي التل . ساعده فريق كبير من الكبار من المذيعين والمذيعات الذين حفظ الأردنيون أسماءهم ونقشوها في قلوبهم ، منهم من غادرنا إلى جوار ربه فندعو له بالرحمة والمغفرة ومنهم من ينتظر ندعو له بالعافية وطول العمر .
فتحيّة للإذاعة الأردنيّة وكادرها الأوفياء في عيدها وهي تتعرّض لمنافسة غير متكافئة من ذلك الصندوق الذي تُطلّ منه أنصاف الجميلات ـــ فالماكياج لا يصنع جمالاً ـــ . خطف عقول الكبار قبل الصغار بثرائه وتنوّع برامجه وكثرتها وسرعتها .