اكتشاف واحد قد يغير المعادلة
كثير من معادلات الحياة قد تتغير بلحظة ، لا تصدقوا أبداً بأن التخطيط المستقر والاستراتيجي حتمي لا محالة ، بل إن شواهد التاريخ قد أنبأتنا بأن اكتشافاً واحداً ، أو اختراعاً ما ، قد ينسف كل أصول اللعبة ويغير وجهة البوصلة مائة وثمانين درجة .
أود الخوض اختصاراً في واحد من هذه الشواهد التارخية ، ليكون مثالأً لانتهاء مرحلة تاريخية من اقسى مراحل الحياة البشرية وهي مرحلة الإقطاعية التي حكمت أوروبا وتأثر بها العالم في قرون من الزمان ، والتي انتهت باكتشاف المسحوق الجديد ، الذي نعرفه اليوم باسم البارود .
المسحوق الجديد ( البارود ) الذي هو مخترع صيني كان يستخدم في بداية الأمر في الألعاب النارية ، وفي القرون اللاحقة تم استخدامه في الأسلحة النارية.
في القرن الرابع عشر ظهرت البنادق والمدافع البدائية، وتطور وتوسع استخدامها بعد ذلك في الجغرافيا العالمية ، ومما لا شك فيه بأن أقوى مثال لأهمية “المدفع” في الحروب هو فتح القسطنطينية ، والاستفادة من هذا المكتشف الجديد في حروب العالم الاوروبي التي استنزفت الوقت لتغيير ملامح أوروبا برمتها.
لم تستطع أسوار الإمبراطورية البيزنطية – التي لم تستطع أي قوة المساس بها طوال قرون طويلة – أن تقف أمام القائد الفذ السلطان محمد الفاتح ، الذي أطلق عليهم مدافعه الكبرى التي لم تكن معهودة في عصرها مستفيداً من تقنيات المسحوق الجديد الذي غير قوانين اللعبة على أسوار القسطنطينية .
أما الأوروبيون ، فقد أخذوا المسحوق بعد ذلك عن طريق المسلمين ، فنحن نعرف جيداً أنهم تعلموا أشياء كثيرة من العالم الإسلامي في غضون الحروب الصليبية في الفترة ما بين عامي (١١٩٧-١٠٩٥) م ، و مصدرهم الثاني للحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالمشرق الإسلامي كان من ” الدولة الأموية في الأندلس”.
المسحوق الجديد حظي بأهمية بالغة بعد ذلك ، خاصة في مجال استخدام المدافع والبنادق في الحروب ، فالمدافع والأسلحة النارية المتعددة لعبت دوراً بارزاً في تغيير الواقع في أوروبا ، وغير الجغرافيا والتاريخ في آن واحد .
البنادق والمدافع متعددة الأحجام التي دخلت على قطاعات الحياة العسكرية وباتت في متناول أيدي قطاعات الشعب بعد ذلك ، بعضها أدى إلى تدمير النظام الإقطاعي في أوروبا ، وهو ما أدى إلى ظهور الدول المركزية و تقوية الممالك أيضاً ، وأوجد توازنات ردع وعب جديدة في الواقع العالمي بفضل اختراع واحد أسهم في وضع لعبة جديدة ، وخلق كبار جدد وصغار جدد.