0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

أين وصلت أحلام العرب في التغيير

  
أجمع أكاديميون ومفكرون على أن الدول العربية تمر بمأزق سببه ما يسمى الربيع العربي الذي لم ينجح في تحقيق أهداف معينة . بما لا يقبل الجدل او النقاش ان للشعوب الحق كل الحق في الثورة عندما تحس بالضيم والظلم من طرف الانظمة الجائرة المستبدة والمتعنصرة والغارقة في وحل التعنصر والطائفية ، هل أصبح العرب مدمنون حقا على الفشل ؟ هل باتت البلاد العربية بلا حتى أدنى مقومات النجاح والتقدم والاستقرار ؟. فلقد انتفضت بالأمس القريب جماهير العرب في مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها من البلدان العربية منددتا بحكامها وداعيتا الى اسقاط أنظمة فيها .
ولكن الى أين وصلت أحلام العرب في التغيير والاصطلاح . فهل وصلنا الى حد الدعوة الى الثورة من اجل الثورة والاحتجاج فقط ؟. هل أصبحنا مدمنون فعلا على مصطلح التغيير دون ان نعي مفهوم هذا التغيير ونوع التغيير الذي نطمح له أو نريده . هل أصبح شعارنا الأساسي فليسقط فلان وبعد أن يسقط فلان ويأتي فلان الجديد نطالب من جديد باسقاط فلان الجديد . أو باسقاط النظام الجديد هل أصبحت هوايتنا الجميلة والمفضلة هي لعبة التغيير . دون أن ندري وأن نعي أن ذلك التكرار في التغيير هو يصب في زاوية وخانة فشلنا . فقبل الحديث عن التغيير لابد وأن نغير طريقة تفكيرنا و اسلوب تلقينا للأشياء والأحداث كي نشكل لدينا ثقافة نفهمها وتفهمنا من قبل الغرق في وحل الاحتجاج والمطالبات بالتغيير والتي اصبحنا لا نسمع الا صوتها في الاونة الاخيرة وكأن خلاصنا من الهموم والمعاناة فقط يكمن في هذه الكلمة السهلة الترديد والخطيرة المعنى . من هنا لابد أن نفهم أنفسنا أولا ونفهم ما الذي نريد وبعدها من الممكن الانخراط في مواضيع تخص الثورات والتغيير والانطلاق بالاحتجاجات والعصيان وغيره . فليس التغيير ألا . بوابة الوصول الى الاهداف ولكن المؤسف والمبكي في حالتنا العربية أننا وبرغم كل محاولات التغيير لدينا آلا أننا لم ولن نستطع تحقيق شيء واحد من أهدافنا والتي أصبحت كل يوم تتراكم في وجوهنا وتتزايد ونحن في مكاننا لا نتقدم ولا نحقق منها شيء .. قبل عام كانت عبارة ما يسمى بالربيع العربي تثير ردود فعل مستنكرة ومهاجمة ، وربما مستهجنة لها ولمن يطلقها ، ولكنها اليوم تبدو منطقية وواقعية لدى كثير من مستنكريها ومهاجميها ومستهجنيها سابقا ، فلقد تكشّفت سجف الغيب عن واقع جعل هذه العبارة جديرة بالاستحضار والإشادة حتى لدى مستنكريها آنذاك ، الذين كانت تملأ رؤاهم الأحلام العريضة والآمال الواسعة (كل بحسبه) مما جعلها تروق لهم في خضم أحداث تاريخية واستثنائية. لقد عرفت البشرية أشكالا متعددة ومصطلحات متداولة للتعبير عن الانتقالات النوعية من حال إلى حال في هذا المجال أو ذاك ، ففي العلم كما في الاقتصاد كانت بعض الاكتشافات أو التغيرات الكبرى يعبر عنها بمصطلح الطفرة ، وفي السياسة والمجتمعات غالبا ما يعبّر عنها بمصطلح الثورة ؛ سواء صدقت عليها التسمية أم لا. وفي سفر التاريخ الطويل ثورات متعددة ومتنوعة ، ذات أشكال شتى وأنواع بلا حصر ، وكما اختلفت الأشكال والأنواع ، فقد تباينت الدوافع واختلفت النتائج ، فليس للثورات مسار واحد ولا يجمعها نمط فرد ، وما جرى بالأمس ينطبق على ما يجري اليوم ، والاعتبار بالتاريخ كنز الحصيف كما أن محاولة استقراء المستقبل عدة الباحث والمثقف أيا كان مكانه أو مكانته. وبعيدا عن نمط الثورة الفرنسية التي أثر حجم الثقافة والوعي في قيامها ، كما في نتائجها ، وبعيدا كذلك عن الثورة الروسية ، التي أثر حجم وتنظيم الحزب الشيوعي في قيامها كما في نتائجها ، فإن في التاريخ القديم والحديث ثورات مهمة وإن لم يتمّ تداولها مؤخرا على نطاق واسع ، وكثورات أوروبا الشرقية أو أميركا اللاتينية في التاريخ الحديث. لا شكّ أن محاولات الحصول على مشتركات كبرى لوصف الثورات السياسية والاجتماعية تحديدا هي محاولات جديرة بالتركيز والاهتمام ، ولكن بعض من يركز على المشتركات لا يبالي بحجم الأخطاء المنهجية التي قد يقع فيها لأن اهتمامه منصب على أمل الانتقال أو التفشي لمثل هذه الثورات لأغراض خاصة أكثر من الاهتمام بفهمها ومحاولة تفسيرها ، ولذلك قد تدفع البعض الحماسة الثورية إلى المجازفة العلمية مع تسجيل أن بعض المحاولات من هذا النوع حين التزمت بالمنهج العلمي لا بالأحلام خرجت بنتائج علمية محترمة وأبانت عن حجم الجهد البحثي الجدير بالثناء. من هنا فإنني أحسب أن النظر للفروق بين الثورات ومحاولة فهم كل ثورة على حدة هو عمل يفترض فيه أن يكون أكثر دقة في القراءة والتوصيف والتحليل ، وبالتالي أكثر احتراما وأنجع تأثيرا لكل مهتم من مؤرخين وساسة ومثقفين ، أقول هذا لأن في الطريق الثاني ما يمنح قدرة على اكتناز كثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما الدينية و الإثنية والطائفية ، تلك الكبيرة الواسعة وأختها الصغيرة الضيقة ، وهو يمنح رؤية أكثر واقعية من سابقه. مع هذا ، فإن قراءة الثورات تخضع دائما للمنطلق الذي يعتمده الباحث أساسا لرؤيته ، فثمة من يقرأ الثورات ليفهم كيف جرت ؟ وما الذي مهد لها ؟ وإلامَ ستنتهي ؟ وثمة من يقرأها ليعرف كيف يؤثر في حراكها وتوجهها ؟ وثمة من يقرأها ليعرف كيف يستفيد منها على الصعيد الشخصي أو التنظيمي. في محاولة لقراءة سريعة تنظر بعين لكلا الطريقين السابقين وبالنظر لدول ما يسمّى بـ الربيع العربي وما جرى فيها وتحديدا النموذج المصري نجد أنّه في لحظات الفوران الثوري تتضخم الذوات وتنتفخ الجماعات ويتكاتف الناس على هدف واضح وغاية محددة ، ثم حين تحقيقها تنفلت الخلافات والتمايزات من عقالها فيمتلئ كل طرف بيقين جارف بأحقية رؤيته وصدق منهجه ، وأنه بالتالي يجب أن يكون الطرف الأكثر حصدا لمكاسب الثورة والأولى في تحديد مآلاتها . بعد هذا يظهر ما سميته في إدمان الثورة واستبدادها لأن التيارات الثائرة ومع الغرق الكامل في هدفها وهو هنا إسقاط النظام لا تجد بعد تحققه بديلا عن الاستمرار فيه ، لأن البدائل غير مكتملة ، فيلجأ الجميع للتشكيك في تصرفات الآخرين ، فتتفشى نظريات المؤامرة وتنتشر النزاعات ، ويعود رفاق الثورة للتصارع ، ومن هنا ينصرفون كلية بعد تحقيق الهدف الكبير إلى أهداف صغرى يتشظى فيها الرفاق بتياراتهم وجماعاتهم وأفرادهم. بعد هذا تأتي مرحلة يمكن تسميتها بـ الملل الثوري حيث يغدو عامة الناس متعبين ومضنين من استمرار الفعل الثوري وتأثير فوضاه على حياتهم وأمنهم ، وتنغيص غوغائيته على استقرارهم وقوتهم وقوت عيالهم ، فينقسمون إلى ساخط على الثورة يدفعه سوء الواقع إلى الترحم على سوء الماضي ، أو باحث عن أي سبيل للنجاة أو عن أي قشة يتعلق بها للنجاة من الغرق في هذا السوء الجديد. هذه القشة قد تأتي من شخص حازم يمتلك الكاريزما الكافية لإقناع الناس برؤيته ومشروعه ، ومن هنا يعود مستبد آخر بلباس جديد ، وقد تأتي من حزب منظم قادر على جمع الناس ، وقد يصل سخط الناس أقصاه. يتعرض الناس هذه الأيام لحالة من الحيرة التي وصلت إلى حد من الممكن وصفها بالبؤس والاكتئاب وحتى المرض النفسي من الأحداث التي جرت في العالم العربي بشكل كبير وزادت همومنا وآلامنا وخاصة ونحن نرى المشاهد المؤلمة اليومية من سفك الدماء الذي أصبح مريعاً ومفزعاً لم نشهده إلا من العدو الصهيوني الذي لا يتحرم ولا يحلل إلا ما يخصها فقط بدأت المشاهد في تونس والأحداث في ليبيا شاهدنا خلالها القتل وسفك الدماء في العراق واليمن الذي حصدت فيه أرواح على مذبح الحرية وفي مصر مذابح تكاد تُذهل العقول وسوريا التي أصبح المشهد فيها أكثر فظاعة من خلال مشاهد مخيفة لصور القتلى الذين يزدادوا يوما ً بعد يوم ..والقادم أعظم ..
بقلم جمال ايوب