0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

روسيا والحلّ السياسي في سورية

  الرئيس باراك أوباما ، طلب من مستشاريه مراجعة سياسة الإدارة بشأن سوريا ، بعدما توصّل إلى أنه ربما لن يكون ممكنا انزال الهزيمة بـ داعش من دون إزاحة الرئيس بشار الأسد . لكن على الأرجح ، رسالة أولى إلى الروس الساعين إلى تنظيم حوار سوري ــ سوري في موسكو ، ما يعني الانتقال من المظلة الدولية إلى مظلة روسية لعملية حل الأزمة السورية , إذا نجح المضي في هذا الاتجاه ، فسوف تنتقل واشنطن ، بدورها ، إلى المربع الأول ، أي الدعوة إلى تنحي الأسد. وهو ملف خرج من التداول ، تنكشف موازين القوى الدولية حول سوريا , فالتحالف الدولي الساعي بقيادة الولايات المتحدة للتدخل في هذا البلد ، تحت يافطة الحرب على داعش ، لم يؤدّ ، حتى الآن ، إلى تغيير سياسي جدي في المعادلة الداخلية أو الإقليمية , هذا الفشل المبكر هو ما كان ينتظره الروس للخروج من مرحلة الصمت إلى التحرك الدبلوماسي لتجميع عناصر جديدة لخط الحل الروسي للأزمة من أوساط سورية معارضة لطالما كانت ميولها أميركية. الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض ، معاذ الخطيب هو مجرد نموذج للتحول السياسي الحاصل , كتب يوضح أجواء زيارته إلى موسكو أكّد أنه رفض ، سابقا الدعوات الروسية , فما الذي حدث ودفعه ، الآن ، إلى لقاء إيجابي مع سيرغي لافروف ؟ اعترف الخطيب بأن اتكاء المعارضة السورية على الولايات المتحدة ، هو مجرد وهم ، ثم اعترف ، أيضا ، بأن قسما من السوريين يدعم الرئيس الأسد. ولعله من الواضح أن هذين الاعترافين بالدور الروسي وبمكانة الأسد ، يمثلان الإطار الممكن لحوار الخروج من الأزمة السورية المزمنة. أوصلت دمشق ، بقبولها الضمني للتدخل الأميركي ضد داعش في سوريا ، البيت الأبيض إلى مأزق سياسي , فنشاط التحالف العسكري والسياسي والإعلامي ، سرعان ما بدأ يصبّ في مصلحة الدولة السورية. أولا ، قيدت السياسة السورية حركة التحالف بحدود ادعاءاته بمحاربة الإرهاب , بذلك أصبح جهده العسكري إضافة ـ ليس لها بعد سياسي ـ إلى الجهد العسكري السوري , ثانيا ، لجم التحالف ، ولو جزئيا ، العدوانية المنفلتة للسعودية وقطر نحو سوريا ، وفجّر الخلافات بين واشنطن وحليفتها تركيا التي أفلتت منها خيوط اللعبة. فالأداة التركية الأهم ، أي داعش محل استهداف دولي وإقليمي ، بينما استطاع أكراد سوريا فرض إرادتهم في عين العرب ، ما حوّل ملف القضية الكردية إلى ملف دولي , ثالثا ، اندفاع الرئيس أوباما ، المهتم بتحقيق إنجاز ضد داعش ، نحو الاستعانة بإيران. إنها ضربة سياسية لتركيا ، وعرض ودي ، عبر حليف أساسي ، موجه إلى الدولة السورية , رابعا ، ساهم التحالف في دعم السردية الرسمية السورية التي طالما أكدت أولوية مشكلة الإرهاب في الأزمة. وهي ، على كل حال ، أولوية فرضت نفسها , خامسا ، سمح المأزق الأميركي لروسيا ، مرة أخرى ، بالتحرك الفعّال ، سواء لجهة تسليح الجيش السوري أو لجهة النشاط السياسي واستقطاب قوى جديدة لعقد الحوار السوري ــ السوري في موسك.
كل هذه المعطيات ضغطت على البيت الأبيض ، فلوّح ، مرة أخرى ، بطرح ملف تنحي الرئيس الأسد , معنى ذلك تهديد دمشق وموسكو بالعودة إلى المقاربة السعودية القطرية التركية ، القائمة على أولوية إسقاط الدولة السورية ، وإعادة بثّ الأوهام لدى الأوساط المعارضة. غير أن التورّط في هذا المنزلق ، أصبح ، الآن ، مع قيام التحالف ، ووجوده العسكري في المنطقة ، بالغ الخطورة ، إذ إنه يعني الحرب! لكن العقبات التي منعت الولايات المتحدة من شن الحرب على سوريا منذ 2011 ، لا تزال قائمة ، بل تجذرت. (1) فروسيا الناهضة التي طورت حلفها الاقتصادي والسياسي مع الصين تمثّل عائقا دوليا على المستوى السياسي ، وداعما جاهزا للتصعيد على مستوى التسليح والدعم , (2) والحرب على سوريا سوف تقود إلى خطر الحرب مع إيران وحزب الله ، وإمكانية شمول العدو الصهيوني وتركيا ، وفي النهاية ، فإن خطر الحرب الإقليمية ــ الدولية الشاملة ، سيكون جاثما , (3) وهكذا ، سوف يجر الرئيس الأميركي ، المنتَخب على أساس تجنّب الحروب ، إلى أكثرها مأساوية ، بينما لا يزال الاقتصاد والمجتمع في الولايات المتحدة ، يعانيان آثار الحرب الفاشلة على العراق. تردد الإدارة الأميركية واضطرابها السياسي إزاء سوريا ، وميلها إلى الخطط الجزئية ، ليست جميعها ناجمة عن ضعف الرئيس ، بل عن ضعف الولايات المتحدة. طالما هناك سلاح ، فإنّ الحديث عن حلّ سياسي هو مجرد لعب على الوقت وعامل الزمن ، فمنذ إعلان الحرب على سورية واجتماع منظومة الدول تحت الرعاية الأميركية ، في أول مؤتمر تحت اسم أصدقاء سورية ، وارتفاع النبرة المعادية للشعب السوري تحت حجّة محاصرة النظام ، اتضحت الصورة ليتبين أنّ الهدف هو تدمير سورية الطبيعية وتقسيمها ضمن مخطط سايكس – بيكو جديد. أما البيت الأبيض ، فإنّ موقفه ، ومنذ إعلان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وجهة نظر بلادها حول الحلّ السلمي ، وكشفها أنّ واشنطن اقترحت على المعارضة عدم رمي السلاح ورفض المبادرة ، لم يتغير حتى اليوم ، وما جنيف 1 وجنيف2 إلا عمليتان كانتا تهدفان إلى ابتزاز حكومة دمشق سياسياً ، تلك الحكومة التي كانت مرنة في قبول أوراق الحوار ، وذكية في وضع الأولويات ، ذلك أنّ محاربة الإرهاب أولوية أمنية تنعكس على كل الأطراف السوريين ، إذا ما كانت لديهم الرغبة في بناء وطنهم. واليوم تعقدت الأمور أكثر، فالمموّل الخليجي دفع الكثير من المال وانسحابه الآن يعني خسارة من دون أي تعويض ، أمّا الجار التركي فقد وجد فرصته لإنشاء حديقة خلفية له ذات امتداد جغرافي من سورية حتى العراق ، يكون فيها قادراً على اللعب متى يشاء وعلى تصفية خصومه التقليديين وخصوصاً الأكراد الذين يرفضون الخضوع لحكومة أنقره وشروطها ، عدا عن العائد المادي الكبير الذي تستفيد منه تركيا من النفط المسروق وتوريد السلاح وعمليات الإتجار بالبشر التي تمرّ عبرها.
إنّ ما طرحته موسكو منذ أربع سنوات ، عاكسة وجهة نظر دمشق ، بأنّ المعارضة الوطنية يجب أن تدخل إلى الحوار الغير مشروط ، لإعادة الأزمة إلى مسارها الصحيح والتوصل إلى حلّ سياسي عبر الحوار السوري السوري وبدعم من الأطراف الإقليميين ، لتقريب وجهات النظر لا تأجيج النار ، يعاد طرحه اليوم ، رغم تحفّظ الأميركيين الذين يجدون في الحرب فرصة لإضعاف كلّ الأطراف ، لذلك فإنّ إعلان المعارضة قبول الحلّ السياسي أمر مرفوض أميركياً وغربياً ، لأنّ هذا الإعلان سينزع الغطاء الشرعي عن المسلحين المموّلين خليجياً ودولياً.
فالميليشيات الكثيرة التي تقتل السوريين ليست تحت سيطرة ما تسمى المعارضة فعلياً ، ورفض تلك المعارضة الدخول في حوار سياسي يعطي شرعية للميليشيات ، على الأقل إعلامياً ، على أنها معارضة مسلحة. وما التقارير التي أعدّها الصحفيون المستقلون عن المناطق الساخنة ، إلا جزءاً بسيطاً من الأحداث الفعلية على الأرض ، فهناك تجار مخدرات وتجار سلاح لا يمتّون إلى المعارضة بأية صلة ، ولكنهم يسيطرون على طرق ومناطق بقوة السلاح ، أما داعش فليس إلا شبحاً إعلامياً يمكن القضاء عليه إذا رفعت الشرعية عن توريد السلاح إلى سورية بحجّة دعم المعارضة إنّ المجتمع الدولي المنقسم اليوم تجاه الحلّ في سورية ، لا يمكن الاعتماد عليه في هذا الحلّ إلا إذا تبرأت المعارضة السورية من كل الميليشيات المسلحة وقدمت للشعب السوري قبل الحكومة ، ورقة تؤكد فيها أنها لا تعترف بأية ميليشيا أو سلاح على الأرض السورية ، وأنّ الجيش السوري هو فقط المخول بحمل السلاح والدفاع عن سورية ، وأنها تقف خلف الجيش في مهمته ، وأن تقرّ بأنّ أي سلاح يصل إلى السوريين هو سلاح من أجل قتل الشعب السوري ، حينها فقط يكون المجتمع الدولي ، وخصوصاً أميركا والغرب ، ملزماً بقبول الحلّ السياسي التفاوضي على أساس المواطنة والبناء.
بقلم جمال ايوب