0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

الأردن يحتفل غدا بالذكرى الـ57 لتعريب قيادة الجيش

 آذار فجراً جديداً في حياة الأردن والقوات المسلحة حينما أقدم المغفور له جلالة الملك الحسين على اتخاذ القرار الوطني والقومي الجريء بإعفاء الفريق جون باغوت كلوب من منصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني وتعيين ضابط أردني بدلاً منه ليكون جيشاً عربياً هاشمياً .
وقد جاء هذا القرار الذي اتخذه المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه وهو في أوج عطائه وعز شبابه تجسيداً حياً لكل التطلعات الكبيرة التي كانت تشد بصر وقلب وعقل الملك الشاب , وتمنحه القوة والعزم والتصميم على استكمال تحرير الإرادة الوطنية بالانعتاق النهائي من هيمنة الأجنبي ونفوذه , مما جعل من قرار التعريب سلسلة طويلة من التطورات الوطنية الكبيرة التي تشكل في مجموعها الملامح الأساسية لمسيرة الأردن القومية..
فلم يكن اتخاذ قرار تعريب قيادة الجيش بالأمر السهل أو المألوف , فمثل هذا القرار يحتاج إلى قائد فذ بطل ، لا يحسب حساباً لغير حاضر وطنه ومستقبل شعبه وأمته , ومن هنا نرى أن قرار التعريب كان محطة هامة وبارزة عملت على تحديث الدولة وسارت بهذا التحديث بخطى واسعة متقنة نحو إتمام استقلال المملكة الأردنية الهاشمية وإعطاء جيشها العربي حرية اتخاذ قراره وتأهيل كوادره وشراء سلاحه والتفكير الواقعي بأولويات هذا الجيش وما هو مطلوب منه في المراحل اللاحقة.
طموحات ملك شاب
لقد جاء قرار تعريب قيادة الجيش منسجماً وملبياً لطموحات الملك الشاب الذي كان يدور في خلده منذ كان طالباً في كلية ساند هيرست ان الجيش تحت قيادة غير عربية لن يكون بمستوى طموحات قيادته العليا التي تريده أن يؤدي دوره في حماية الوطن وتأهيل ضباطه وتحقيق أهدافه التي وجد من أجلها والمساهمة في دفع عجلة التنمية فيه وصون ممتلكاته ومنع المعتدين أياً كانوا من النيل من سيادته على ترابه الوطني.
يقول جلالة المغفور له في كتاب مهنتي كملك ” إن وجود الجنرال في بلادنا مذموماً ومطعوناً في شخصه من قبل الكثير من الناس ، قد أصبح عاملاً باعثاً على القلق الأكبر ,لقد كنا خاضعين للأجنبي , فإذا كان كلوب بصفته جنرالاً لا يستطيع أن يؤمن لنا مخزوناً كبيراً من السلاح والذخيرة فهو ليس خليقاً بأن يسخو بنصائحه ومشورته حول التكتيك العسكري الذي نعتمده , انظر ماذا حدث منذ رحيله , لقد ازداد مخزوننا من السلاح ازدياداً كبيراً واستمد الجيش العربي الأردني قوة من تطبيق هذه البديهية العسكرية ألا وهي تزويد الجندي بالوسائل الضرورية وبالأسلحة الملائمة , كانت المشاكل تتراكم على مر الشهور لقد كنت مصمماً على إنشاء جيش قوي متوازن يدعمه غطاء جوي هام , وقد كان تحقيق ذلك مستحيلاً , مادام كلوب بيننا , فكان علي إذن أن أنفصل عنه”.
نقطـة اللاعــودة
في أوائل عام 1956 وصلت علاقات المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه بكلوب نقطة اللاعودة , فكان الحديث عن استبداله هاجساً متكرراً في فكره، حيث اتخذ القرار دون علم أي من المقربين إليه , وقد ذكر أسباب قيامه باتخاذ هذا القرار وإصراره على تنفيذه فوراً في كتاب ( مهنتي كملك) حيث قال” يجهل الرأي العام عموماً أن عزل كلوب كان قضية أردنية تماماً , الجنرال الذي كان يرى أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدونه في الأردن , لقد كان السبب الرئيسي في عزله يقوم على عدم التفاهم بيننا , وعلى خلافنا حول مسألتين جوهريتين هما , دور الضباط العرب في جيشنا , واستراتيجيتنا الدفاعية فأحد واجباتي كملك هو تحقيق الأمن لشعبي وبلادي , ولو لم أقم باستبداله لما كنت قد مارست أعباء مسؤولياتي .
ويضيف طيب الله ثراه قائلاً : لقد طلبت مراراً من الإنجليز أن يدربوا مزيداً من الضباط الأردنيين القادرين على الارتقاء إلى الرتب العليا .. وكان البريطانيون يتجاهلون مطالبي .. كان أعلى منصب يستطيع أن يطمح فيه الأردنيون هو منصب قائد سرية ولا شيء أكثر من ذلك .. بعد أشهر من المفاوضات اتسمت بالصبر والأناة استجيب إلى طلبي .. وذلك بقبول انكلترا أن تفرض علينا خطة للتعريب يتم بمقتضاها منح الضباط الأردنيين في المستقبل مزيداً من الامتيازات.. لقد كانت كلمة المستقبل تعني للإنجليز .. وقد أبلغوني بذلك رسمياً .. بأن سلاح الهندسة الملكي في الجيش العربي الأردني سوف يتولى قيادته ضابط عربي في عام 1985 وتقول حكومة بريطانيا إنها سوف تتحدث عن التعريب بعد ثلاثين سنة.
1 آذار 1956
وفي الأول من آذار عام 1956 نفذ جلالة المغفور له كقائد أعلى للقوات المسلحة قراره بتعريب قيادة الجيش العربي وتحريره من قيادته الأجنبية، حيث أيقن أنه في الوضع السياسي الجديد الذي أوجده قيام إسرائيل كان لابد من إعطاء الجيش إحساساً بالمسؤولية والكبرياء العربية.
ووفقاً لذلك فقد أعفى الفريق كلوب من منصبه وعين ضباطاً أردنيين في جميع المراكز القيادية، ففي الجلسة الطارئة التي طلب رحمه الله من مجلس الوزراء عقدها جاء طلبه لرئيس الوزراء والوزراء بحضور رئيس الديوان الملكي الهاشمي بتنفيذ رغبته بإنهاء خدمات الفريق كلوب وإقصائه عن قيادة الجيش وبأسرع وقت ممكن حيث قال رحمه الله “إنني أحاول اليوم أن أضع شيئاً لأمتي فإما أن أحققه أو أقضي دونه إما أن نعيش شرفاء أو نموت شرفاء فحياة المرء إن كانت مسلوبة الكرامة فلا معنى لها ولا قيمة ولا تستحق أن يتمسك بها ويسجل صفحة جديدة في هذا اليوم فإما حياة حرة أو ميتة بشرف”.
وقال طيب الله ثراه لمجلس الوزراء ” منذ تسلم سلطاتي الدستورية وانا أحاول أن أصحح الأوضاع قدر المستطاع بشكل يتفق وكرامة الأردن وعزته ولكني لم ألمس أثراً لجميع محاولاتي ولهذا فلم أجد بداً من تنفيذ رغبتي هذه فوراً وهي إنهاء خدمات رئيس الأركان ” وجاء ذلك من إيمانه بضرورة استقلال الأردن عن الوصاية والنفوذ الخارجي وكان هذا يعني تعريب قيادة الجيش العربي بغض النظر عن الخدمات التي قدمها كلوب والضباط البريطانيون والتي لم ينكرها جلالة المغفور له طيب الله ثراه.
إنهاء خدمة الفريق كلوب
وفي الساعة الثانية والنصف ظهراً اتخذ مجلس الوزراء قراره بتنفيذ الرغبة الملكية السامية وحمل السيد بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي آنذاك القرار إلى المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه فوشحه بالتوقيع السامي حيث نص على ما يلي:
1- إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني
2- ترفيع الزعيم (العميد) راضي حسن عناب لرتبة لواء وتعيينه رئيسا لأركان حرب الجيش العربي الأردني
3- إنهاء خدمات القائم مقام باتريك كوجهل مدير الاستخبارات
4- إنهاء خدمات الزعيم هتن مدير العمليات العسكرية
وفي يوم الجمعة الثاني من آذار وبناءً على أوامر المغفور له جلالة الملك الحسين رحمه الله غادر الفريق كلوب الأردن من مطار عمان .
حيث يقول جلالة المغفور له في رده على رسالة رئيس الوزراء البريطاني التي جاء فيها أن الملك يتحمل المسؤولية ونتائج هذا القرار ” أنا أقدمت على هذا العمل وأعرف نتائجه وهذا حقي , وأنا مارست هذا الحق ولا رجعة فيه مطلقاً” وجاء رده رحمه الله رداً حازماً نابعاً من حبه لوطنه وشعبه وقوميته.
وفي الساعة السابعة والنصف نقلت الإذاعة الأردنية من مدينة القدس القرار الذي لم يكن يتوقعه أو يخطر على بال أحد وحمل صوت الأثير صوت الراحل العظيم يزف البشرى للشعب الأردني بنبراته القوية الواضحة :
أيها الضباط والجنود البواسل : أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم ضباطاً وحرساً وجنوداً وبعد .. فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش .. فنفذناها متكلين على الله العلي القدير ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها.
وأنت أيها الشعب الوفي هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك .. مستمداً من تاريخنا .. روح التضحية والفداء مترسماً نهج الألى في جعل كلمة الله هي العليا. إن ينصركم الله فلا غالب لكم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ووجه جلالة الراحل العظيم بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة اهتمامه ورعايته لبناء الجيش الذي شكّله جدّه ليجدد جيش الثورة العربية الكبرى ويجعله قوياً في الإرادة .. قادراً على تحمل أعباء مسؤولياته الوطنية والقومية الشاملة إعداداً وتدريباً وتسليحاً .. وتأهيله وفق أحدث الأساليب العسكرية.
وكان رحمه الله عندما أقدم على هذه الخطوة الشجاعة الجريئة يتمثل وصية جده الملك المؤسس المغفور له الملك عبد الله بن الحسين حيث قال له ” تذكر يا بني أن أهم شيء في الحياة هو أن يكون لدى المرء العزم والتصميم على العمل وأن يكون مستعداً لأن يعطي خير ما في نفسه على الرغم من العوائق ومهما كانت الصعوبات .. وعندها فقط تستطيع أن تعيش مطمئن النفس مع الله ومع ضميرك.-(بترا)