تعديل أسعار المحروقات برسم المصداقية
هناك فرصة ذهبية متاحة لرئيس الحكومة لمحاولة التمهيد لمشروع حيوي يهم الجميع يسمى الثقة التي لم تولد بعد لتصبح ميثاق شرف وأخلاق وضمير بين الشعب المحتقن والحكومة. وسواء استمر الرئيس الحالي مع فريقه الوزاري أو اقترب رحيله, فهو أمام أداة من أدوات تعبيد الطريق أمام مشروع خلق الثقة التي تبدو من الأمور المغيبة لديه كما كان مغيبا عن موضوع وجود أجهزة التنصت الإسرائيلية وقرار استدعاء الإسرائيليين ودخولهم الأردن بآلياتهم ومعداتهم بوضح النهار. فالثقة يبدو لا تعنيه بشيء ما دام لا يعمل لخدمة المواطن. ولو كان هناك هامش ولو بالحد الأدنى لمصلحة المواطن لما كانت قراراته قاسية ومجحفة ولما عمل على زيادة نسبة الفقراء بشكل ملفت للنظر.
ولو كان هناك هامش ولو بالحد الأدنى لمصلحة المواطن لما كان هناك تخبط وتناقض بالتصريحات والتوضيحات التي تتعلق بأمور وقضايا تدخل بحساب المواطن واهتماماته اليومية. ولو كان هناك هامش ولو بالحد الأدنى لمصلحة المواطن لما طلب من المواطن إحضار أدلة ووثائق تثبت فساد الفاسدين. ولو كان هناك هامش ولو بالحد الأدنى لمصلحة المواطن لما تناقضت أقوال الناطق باسم الحكومة ووزير الخارجية مع أقوال رئيسهما فيما يتعلق باشتراك الأردن بالتحالف الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم داعش الدموي.
من أدنى متطلبات المواطن الوضوح والصدق بالقرارات التي لا مفر منها وتقديم مبررات اتخاذها حتى لا يبقى المواطن في الظلام وكأنه قطيع ماشية يساق حيثما أراد راعيه. وعليهم أن يتذكروا أن الشعب بشر لديهم عقول وليسوا بهائم. لقد أصبحنا أمام حاجة ملحة لخلق ثقافة لدى متقلدي المناصب الرفيعة مضمونها أن صفة البشر لا تنتفي عن الأردنيين بمجرد أنهم (متقلدي المناصب الرفيعة) تقلدوا مناصب رفيعة وأصبحوا يساهموا بصناعة القرار.
كان هذا التقديم للتذكير بضرورة الخروج من قوقعة الإستمرار بالنهج الإستهتاري والتوجه نحو العمل الجاد القائم على الصدق والمكاشفة لعل خيوط الثقة تبدأ تحاك بين الحكومة والشعب. وهذا يقودنا للتذكير بالفرصة الذهبية المتاحة الآن ألا وهي تعديل أسعار المحروقات التي تخضع لمعادلة لا يعلم كنهها وتركيبتها إلا الله ثم من وضعها ويطبقها كل شهر.
لم تعلن الحكومة يوما عن تفاصيل معادلة تعديل الأسعار رغم المطالبات والتساؤلات المتكررة من المتابعين والمهتمين إلا أنها ما زالت حتى الساعة لغزا غامضا محيرا حله عند الحكومة. وهي تعلم أنها لو كشفت حل هذا اللغز لوجدت نفسها أمام موج هائل من السخط والإنتقاد والإحتجاج الذي يضاف لرصيدها الضخم والقياسي من السخط لما سببته من احتفانات وضغوطات آلمت كافة فئات الشعب باستثناء الطبقة الناعمة المنتفعة من تلك القرارات والسياسات الضاغطة وهي تنعم محمية بأموال البسطاء من رواتب فلكية ومخصصات سخية ومياومات تخلق للتنفيع.
التجربة علمتنا مع الحكومات السابقة وهذه الحكومة على وجه الخصوص أن الصدق والمصداقية والشفافية والوضوح مفردات لا وجود لها بقواميسهم بل وتنتفي معانيها إذا طرقت مسامعهم. والدليل على ذلك أن التعديل الشهري على أسعار المحروقات لا يخضع للسعر العالمي لبرميل نفط برنت كما تدعي الحكومة بقدر ما يخضع لنهج وسياسة تفوح منهما رائحة التمويت والتضييق والخنق. لو كانت المصداقية والإنصاف من الأسس التي يقوم عليها التعديل, لكان سعر تنكة البنزين من 10-12 دينار في الفترة السابقة وعندما تجاوز سعر البرميل ألـ 140 دولار.
أما وسعر البرميل الآن قد هبط إلى ما دون ألـ 80 دولا, فعلى الحكومة أن يتوفر لديها نوع من الأمانة والحرص على مصلحة المواطن والتقليل من الإحتقان المتعدد الأسباب, وتخفض سعر التنكة إلى ما دون العشرة دنانير. وإن كانت هذه الحكومة مغادرة ـــ وهذا ما نتمناه ـــ فلتكثر من “الملايح” وإن لم تكن كذلك ـــ وهذا ما لا نتمناه ـــ فلتصدق ولو مرة واحدة لتسجل بتاريخها الملطخ ولتكون نقطة مضيئة بسجلها الذي يغلب عليه السواد.
إذا لم يتناسب الخفض المتوقع مع السعر العالمي, فذلك يعني زيادة الإحتقان لدى الأردنيين الذين لا أظن أن هناك شعب في العالم محتقن كاحتقانهم وهم يجلدون صباح مساء بسياط السياسات والقرارات التي أفرزت ارتفاعا بنسب الإنتحار والإعتداء والمشاجرات الطلابية في الجامعات حتى تكاد تكون ظاهرة. وكل ذلك تقف خلفه الحكومات من خلال القوانين والسياسات التي أثقلت على المواطن حتى صار مكبلا ومقيدا لا يقوى على تأمين التزاماته العائلية لتوفير حياة كريمة أو لتدريس أبنائه أو…أو…أو…
الحكومة وفريق تعديل الأسعار مدعوون للخروج بتعديل معقول ومتوافق مع السعر العالمي وإن لم يفعلوا, فليكفوا عن نهج الضحك على الذقون وأن يحترموا عقولنا بالتوقف عن الحديث عما يسمونه إصلاحا والذي أصبح شعارا للمتزلفين والمتملقين والمثاليين طمعا بالتقرب والتكسب وإطالة البقاء في المناصب. وها نحن ننتظر التعديل المرتقب ومدى انسجامه مع السعر العالمي المنخفض لبرميل نفط برنت.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com