ولو بشق تمرة …!
نستقبل بعد 7 أيام عاماً هجرياً جديداً جعله الله عام خير وبركة وحقناً للدماء في بلدنا وكل مكان في هذا العالم، وقبل 5 أيام فقط إشتاق المهندس علاء العويوي مهندس الأجهزة الطبية لأرض الوطن فسافر إليه دون تردد من السعودية التي يعمل بها، معه زوجته طبيبة الأسنان وإبنته الرضيعه وإبنه عزالدين الذي لم يكمل عامه الثالث، وعمل الرجل على تأمين كل وسائل الراحة لعائلته فحجز في فندق هوليدي إن البحر الميت صاحب النجوم الخمسة، لعله يقضي أياماً جميلة تبقى ذكرياتها معهم بقية حياتهم، ولم يكن يعرف بأن القدر كان يخبأ له ذكريات ستبقى في ذاكرته أبد الدهر، وكانت العائلة مستمتعة بإجازتها إلى أن قام الرجل في أحد الأيام في الساعة الرابعة عصراً بطلب وجبة برغر مع بطاطا لتناولها مع عائلته في مطعم الفندق المطل على البركة، وهو الذي يقول بلسانه أنه لم يؤمن يوماً بأكل المطاعم ولكنه القدر عندما يقول كلمته، تناولت العائلة الوجبة وأخذوا المتبقي منها لغرفتهم فأكملوها هناك في مدة لم تتجاوز النصف ساعة بحسب الرجل، وليبدأ بعدها مسلسل الإنهيار.
شعر الرجل بعد ساعة من تناول الوجبة بهبوط في الجسم، فاعتقد انه أصيب بضربة شمس ماجعله يذهب ويخلد الى النوم، لكنه شعر بغثيان شديد وقام خلال الليل أكثر من مرة للتقيأ، والمفاجأة كانت شعور طفله عزالدين بنفس الأعراض، فأيقظ زوجته التي ما إن قامت حتى وقعت على الأرض وهي تعاني من نفس الأعراض …!
سارع الرجل للإتصال بإدارة الفندق لطلب المساعدة الطبية، فتم إبلاغه بأنهم سيقومون بإستدعاء طبيب الفندق، وبعد فترة من الوقت قام بالإتصال بهم مرة ثانية ليفاجىء بإدارة الفندق تخبره أن الطبيب لا يجيب على هاتفه، وينقلوه وعائلته إلى مستشفى الشونة الجنوبية بواسطة سيارة الدفاع المدني في الرابعة فجرا، ليتلقى وعائلته الإسعافات الأولية ويغادروا الى الفندق في السابعة صباحا، وعند دخوله الى الغرفة شعر بالألم مرة أخرى، ما دفعه الى الإتصال بإدارة الفندق للمرة الثالثة فأحضروا طبيب من العاصمة بعد فترة من الوقت، وهو الذي أكد وجود تسمم غذائي وقام بأعطائهم إبرة بإستثناء الطفلة الرضيعة كونها كانت نائمة حينها .
تم نقل العائلة بعدها الى عمان بسيارة سياحية، لتأتي الصدمة الأولى بوفاة الطفل عزالدين خلال الطريق الى المستشفى، وتلحقها الضربة القاصمة بوفاة الزوجة في صباح اليوم الذي يليه، وبقاء الرضيعة ذات الشهور الثمانية وحيدة في العناية المركزة حتى اليوم تطاردها عيون ودعوات والدها لعل الله أن ينقذها له.
وبالمناسبة هذه ليست قصة من خيال ولا من وحي الأفلام العربية، وإنما قصة حقيقية من وحي أفلام الرعب الذي يريدنا الفاسدون والمتاجرون بالوطن ومقدراته وأبناءه أن نعيشها في بلادنا.
بدأت الإتصالات تنهال على الرجل سعياً إلى إخماد صوته وطي الموضوع، وحتى لا تتأثر سمعة الفندق الذي توقعنا تغيير شعاره إلى “ماكل شارب ميت” بعد هذه الحادثة، وتتسارع محاولات البعض لإظهار سبب الأمر على أنه إصابة العائلة بمرض الكورونا، أو أن العائلة إحتفظت بالطعام لفترة طويلة حتى فسد ثم تناولته.
وهاهي سيدة أخرى تدخل بعد الحادثة مستشفى الشونة الجنوبية بتسمم غذائي بعد تناولها لوجبة في إحدى منتجعات البحر الميت أيضاً.
موضوع المهندس علاء اليوم برسم القضاء الأردني الذي نثق بنزاهته وشفافيته، ولكننا كنا نتمنى حقيقة أن تكون الحكومة أكثر يقظة لتجنب مثل هذه المصائب قبل وقوعها، فكيف ستسوق وزارة السياحة للسياحة في بلادنا بعد كل هذه المصائب، ماذا ستقول لغير الأردنيين أو حتى للأردنيين الذين نتمنى ألا يكونوا في آخر إهتماماتها، هل ستقول لهم تفضلوا لدينا في البحر الميت وجبات مسمومة 5 نجوم لن تفتحوا عيونكم بعد تناولها من شدة لذتها، وكنا ننتظر من وزارة السياحة والداخلية المبادرة بإغلاق الفندق فوراً إحترازياً وتحويل كل كادره إلى التحقيق العاجل، ذلك الكادر الذي خرج علينا مديره العام بالتأسف الشديد لما جرى، وماذا نفعل بأسفك يا سيادة المدير وأنت هائم في العسل عن ما يجري في الفندق عندك، وماذا نفعل بعد أن فقد الرجل زوجته وإبنه أم أن أسفك هذا سيعيدهم إليه !
ومازلنا ننتظر من وزارة الصحة التحرك بحملة رقابية فورية على كل المنتجعات السياحية في بلادنا، ولا ندري كيف ترخص فنادق 5 نجوم دون إلزامها بوجود سيارة إسعاف أو حتى طبيب طوارئ فيها بدلاً من أن يتصل أحدنا 3 مرات مع الفندق وعائلته تموت أمامه ولا يحرك أحدهم ساكنا ..!
نتمنى أن يتذكر كل مسؤول مقولة الحسين رحمه الله “الإنسان أغلى ما نملك”، قبل أن تتحول بإهمال البعض وإستهتاره إلى “الإنسان أرخص وأسخف ما نملك” …!
قبل أشهر كنا في زيارة الى أرض الوطن مع العائلة، وذهبنا إلى أحد أكبر المجمعات التجارية في العاصمة، فتناولنا وجبة في أحد المقاهي تقيأتها زوجتنا بمجرد الخروج من المكان، هذا لمن يشكك بإحتمالية فساد أو تسمم الطعام في الفندق، وبالمناسبة أبسط مثال لما هو كفيل بإصابة أحدنا بالتسمم هو ترك المايونيز وإن كانت صلاحيته لم تنتهي خارج التبريد ثم إستخدامه بعد تغير لونه في الطعام وكأن شيئاً لم يكن.
ننتظر من القضاء أن يجفف ولو دمعة من دموع الرجل التي نتاكد أنها ستبقى سنوات لا تفارقها، ونسأل الله أن يجعله وزوجته وأولاده من أهل الجنان ويرحمهم بواسع رحمته، ويجعل عزالدين طيراً من طيور الجنة يرفرف فوق رؤوسهم فيها، هناك عند أعدل العادلين من لا يوجد عنده وزراء ولا موظفين نائمين في العسل، ولا وجبات مسمومة ولا فاسدة.
وننتظر من الحكومة قبل أن تفكر في رفع الأسعار وطلب المساعدات من دول الجوار والدول الصديقة، أن تشعر المواطن بأهمية روحه، والقبض على كل من تسول له نفسه تدمير وطننا وسمعته، وإغلاق أي منتجع سياحي في أي مكان في بلادنا يعبث بأرواح المواطنين، فلا حاجة لنا بمنتجعات ذات نجوم خمسة ولا سبعة ملطخة برائحة الموت والفساد والسموم، ولا نقول بأن جميع فنادقنا سيئة ولا كل طعامها فاسد، ولكن حبة فاكهة عفنة كفيلة بنشر العفن في كل الصندوق إن لم نمسكها ونلقي بها بعيداً.
نعزي المهندس علاء بالتابعي عروة بن الزبير الذي دعاه الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان لزيارته في الشام، ليشعر بالم في رجله أول وصوله ويقرر الأطباء قطعها بعد إصابتها بالغرغرينا، ويكون طفله يلهو مع خيل الخليفة فيرفسه أحدها ويفارق الحياة فوراً، وتسرق أموال الرجل قبل عودته أيضاً، ليستقبله الناس عند عودته للحجاز بالتعازي، فيقول لهم ما بالكم تعزوني وخالقي أخذ مني قدماً وترك لي اخرى، واخذ مني ولدا وترك لي أولاد، وأخذ مني بعض مالي وترك لي غيره فسبحان ربي ما أكرمه …!
وإلى كل من يعبث بالوطن ويضرب سمعته وسياحته بأفعاله اللامسؤولة نذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: “ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة”، ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة يا أصحاب الضمائر الحية …!