وارمه في البحر …!
في إحدى الأيام وجد ولد فقير أنه لا يملك ما يسد جوعه فقرر أن يطلب الطعام من أول منزل يمر عليه، ولكنه لم يتمالك نفسه حين فتحت له الباب شابة صغيرة جميلة، وبدلاً من طلب الطعام طلب شرب الماء، فأحضرت له الفتاة كأساً من اللبن عندما شعرت أنه جائع، شربه ثم سألها: بكم أدين لك؟ فأجابته: لا تدين لي بشيء، فقد تعلمنا أن لا نقبل ثمناً لفعل الخير، عندها شكرها وغادر المنزل وهو يشعر بأنه ليس فقط بصحة جيدة، بل وأن إيمانه بالله وبوجود الخير والإنسانية قد ازداد بعد أن كان يائساُ ومحبطاً.
بعد سنوات تعرضت تلك الشابة لمرض خطير أربك الأطباء، فأرسلوها لمستشفى المدينة حيث تم استدعاء كبير الأطباء، وعندما سمع إسم المدينة التي قدمت منها المرأة انتفض إلى غرفتها لرؤيتها، مبدياً إهتماما خاصاً بحالتها، وبعد صراع طويل تمت المهمة على أكمل وجه، وطلب الطبيب الفاتورة إلى مكتبه لإعتمادها ثم إرسالها لغرفة المريضة، والتي كانت خائفة من فتحها لأنها كانت تعلم أنها ستمضي بقية حياتها لسداد قيمتها، ولتجد فيها عند فتحها: الفاتورة مدفوعة بالكامل بكأس من اللبن مع تحيات كبير الأطباء ..!
علينا أن لا نبخل على أنفسنا بفعل الخير، ولا ننسى أن الحياة دين ووفاء إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، وقد تساءل أحد الأصدقاء عن ماهية من نرميه في البحر عندما كشفنا عنوان المقال قبل أيام، والجواب أن علينا أن لا نرمي في البحر إلا ما نعمل من رسم إبتسامة على وجه لطالما إشتاق لها، أو نمسح دمعة كثيراً ما حفرت طريقها في وجه ما، ذلك أن هذا الخير لن يجد طريقه في بحر الظلمات، إنما في بحر الخيرات التي ستعود على صاحبها بالنفع مهما سافرت وابتعدت بها محيطات الأيام والليالي، وعندما نتحدث عن العمل التطوعي الخالص لوجه الله تعالى فإن حقاً علينا أن نكتب بضعة سطور في أشخاص خبرناهم عن قرب وعملنا معهم لسنوات، ومن باب التحدث عن إيجابياتنا كما سلبياتنا وهم الذين تجنبنا الكتابة عنهم طوال سنوات عملنا التطوعي معهم، حتى لا يقال بأننا نجاملهم أو نبتغي عندهم مصلحة ما، ولكننا اليوم وبعد مرور أكثر من عامين من مغادرتهم كان حقاً علينا أن نضرب بزملائنا في لجنة إرتباط المهندسين الأردنيين في العاصمة السعودية الرياض المثل بالعمل التطوعي، وفي مقدمتهم رئيس اللجنة أبا عبدالله قائد مركبة الإبداع وصاحب الإنجازات بنكهة التحديات، وهم الذين لطالما دفعوا من جيوبهم لإسعاد عائلات المهندسين والمهندسات في الرياض وإدخال السرور إليهم، وكثيراً ما كانوا يقضون الليل بأكمله في إجتماعاتهم حتى يرمي عليهم الفجر خيوطه، وهم يناقشون خططهم التي ترمي للارتقاء بالمهندسين الأردنيين في الرياض وتوفير أفضل الخدمات لهم بدون انتظار مقابل من أحد، ليضربوا أروع الأمثلة في العمل التطوعي، ولا نقول هذا الكلام محاباة لأحد أو مجاملة، فاليوم لا تربطنا باللجنة وأعضائها سوى ما يربطنا مع كل الرائعين من البشر من علاقات حب وإحترام، وهم الذين لم نرى منهم يوماً مجاملة لأحد بسبب انتمائه الحزبي او اصله وفصله، خصوصاً وأننا شخصياً لم ننتمي لحزب في حياتنا، بل أن عملهم التطوعي المرهق كثيراً ما كان يقابل بسهام الإساءات التي كانت تواجه بصدور يملأها الإيمان بأن الحق ظاهر في النهاية لا محالة عندما تترك عملك يتحدث عنك، وهكذا ينبغي أن يكون العمل التطوعي العام، فلا يجب على أحدنا توقع أن يعمل من أجل الآخرين وإسعادهم ويتفق عليه الجميع ولو كان ذلك حصل لاتفق البشر على سيد البشر نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك وبدلاً من المبادرة بالسؤال الذي كثيراً ما نسمعه من معظم من يعرض عليهم العمل التطوعي “وماذا سنستفيد؟”، علينا أن نسأل الله عزوجل أن نكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني: «خير الناس أنفعهم للناس»، فإن كنا نبحث عن فوائد حلال طيبة ومجزية لرصيدنا في الدنيا فما علينا إلا أن نملأ البحر برصيد كبير من أعمال الخير والمحبة تجاه الآخرين، فبنك الله عزوجل لا يخسر أبداً لا في الدنيا ولافي الآخرة، جعلنا الله وإياكم من خيار الناس ممن وضع “إعمل الخير وارمه في البحر” طريقاً لحياته.