العملية البرية الصهيونية على غزة
العملية البرية العسكرية الصهيونية على غزة نشير الى عدة استنتاجات ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الآن في وضع يشبه جدا وضع سلفه اهود اولمرت بعد نهاية الاسبوع الاول من حرب لبنان الثانية. وسيؤيد الجمهور واحدة من خطوتين إما وقف اطلاق النار وإما الدخول البري. ولن يصبر على استمرار السير في نفس المكان. واذا لم تُصغ تسوية سياسية سريعة لانهاء القتال فقد يفحص نتنياهو مرة اخرى عن افكار اخرى كوقف اطلاق النار من طرف واحد مدة 24 ساعة . واذا تم اعلان وقف اطلاق نار دائم فان مشكلة العدو الاستراتيجية تتعلق بجولة العنف التالية وهي كيف يُمنع استمرار تسلح المقاومة بقذائف صاروخية أكثر دقة لمدى أبعد؟ وهل يتم احراز ردع المقاومة حقا بين جولة مواجهة واخرى؟ إن الحقيقة هي أن المقاومة برغم تصريحات الساسة والجنرالات تُحسن فقط مدى صواريخها وتزيد عددها بين جولة واخرى. إن اطلاق الصواريخ من غزة قد صاحبته في الايام الاخيرة عدة حوادث اطلاق صواريخ على الكيان الصهيوني من لبنان واطلاق راجمات صواريخ من سوريا الى هضبة الجولان. ويزيد التوتر في سيناء ايضا ويُخشى أن تحاول منظمات اسلامية متطرفة أن تساعد المقاومة في المعركة. ويبدو أن عدم الاستقرار على الحدود بسبب الزعزعة العربية يشترك مع المواجهة الصهيونية الفلسطينية ويسبب للجيش الصهيوني صداعا جديدا وقت الصدام مع المقاومة .
يرغب العدو الصهيوني وبشدّة بوقف المُواجهات الحالية مع الفلسطينيّين، لأسباب عدّة أبرزها 1- فشل الغارات الكثيفة التي شنّها سلاح الجوّ الصهيوني في وقف عمليّات إطلاق الصواريخ التي غطّت، ولأوّل مرّة، نحو 70 % من الأراضي التي يحتلّها العدو الصهيوني، من دون أن ينجح نظام “القبّة الحديديّة” في إعتراضها إلا بنسبة محدودة نسبياً، الأمر الذي أصاب العدو بالإحباط. 2- وجود خشية في أن تتسبّب العمليّة العسكريّة البرّية التي أطلقتها بوقوع إصابات بشريّة كبيرة في صفوف القوّات الصهيونية من دون تحقيق نتائج مهمّة على الأرض، والخوف من الدخول في حرب إستنزاف في حال الإبقاء على مواقع محتلّة داخل غزّة، إضافة إلى غياب التغطية الضرورية والتمويل اللازم لعمليّة من هذا النوع، في حال توسّعها وإستمرارها. 3- تلقّي القطاعين الإقتصادي والسياحي ضربات مُوجعة، بمجرّد إستمرار المواجهة، وبالتالي عمليّات سقوط الصواريخ. في المقابل..
يَرغب الفلسطينيّون بوقف المواجهات الحالية مع العدو الصهيوني ، لأسباب عدّة أبرزها: 1- على الرغم من نجاح المقاومة الفلسطينيّة في إثبات قدرتها على إلحاق ضربات مادية ومعنويّة كبيرة في العمق الصهيوني ، إلا أنّ المقارنة بين حجم الضحايا والخسائر لدى الطرفين، تُظهر حجم المأساة الكبيرة في صفوف الفلسطينيّين، الأمر الذي يستوجب العمل على وقف المعركة في أسرع وقت، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، ولإعادة الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة للفلسطينيّين المحاصرين في القطاع، ولمنع إسترسال العدو في هجومها البرّي. 2- تعدّد المشاكل العالمية، وكثرة الخلافات العربيّة-العربيّة، وترسّبات الأزمة السورية والعراقية وليبيا واليمنية ، أدّت كلّها إلى عدم تسليط الضوء بالشكل اللازم على المواجهة الدائرة في غزّة حالياً، علماً أنّ علاقات حركة حماس ليست في أفضل أحوالها مع قوى إقليميّة فاعلة كانت تمدّها بكل الدعم السياسي والعسكري في مواجهات سابقة مماثلة. وتحتاج حماس لوقت مُستقطع لإلتقاط أنفاسها من جديد، ولإعادة تنظيم صفوفها. 3- الخوف من أنّ تُصبح الضغوط الدولية على السلطة الفلسطينيّة أكبر في حال إستمرار المواجهات الحالية لفترة زمنيّة أطول، ما قد يُحدث شرخاً جديداً داخل الصف الفلسطيني الذي بذل جهوداً مُضنية على مدى سنوات للوصول إلى حكومة وحدة، خاصة وأنّه توجد حالياً محاولات جدّية لكفّ يد حماس عن قطاع غزّة بحجّة إنقاذ المدنيّين الفلسطينيّين. والمُفارقة اللافتة، أنّه وفي الوقت الذي يرغب كلّ من الجانبين الصهيوني والفلسطيني، في وقف المواجهات الحالية، مُكتفين بما حقّقه كل منهما من نتائج، فشلت المساعي الرامية إلى التوصّل إلى هدنة، أقلّه حتى الساعة، وبدأ الوضع يتدهور أكثر نحو المواجهة الميدانية. والسبب يعود إلى كلّ من العدو والفلسطينيّين أنفسهم، الكيان الصهيوني لا يريد الخروج من هذه المواجهة الدامية خالية الوفاض، ويرغب بضمانات دوليّة تكفل وقّف عمليّات إطلاق الصواريخ في المستقبل. وهي تحاول جاهدة تضييق الخناق على قدرات المقاومة العسكرية، عبر قطع الإمدادات اللوجستية عنها. كما تسعى للضغط على مصر لتكون أكثر جدّية وفعالية في مراقبة معبر رفح، وفي كشف الأنفاق التي تربط الأراضي المصرية بالأراضي الفلسطينيّة. كما تضغط على السلطة الفلسطينيّة وتحمّلها مسؤولية الفلتان في غزّة، في محاولة منها لتجديد الخلافات الفلسطينيّة الداخلية، ولتعزيز أيّ شروط تفاوض محتمل مع السلطة في المستقبل. أمّا المقاومة فهي ليست في وارد الموافقة على أيّ هدنة لا تؤمّن رفع الحصار القاسي المفروض على قطاع غزّة ، ولا تكفل حماية السكّان من الغارات الصهيونية الدورية. كما أنّها ليست على إستعداد للتخلّي عن سلاحها أو عن سيطرتها على غزّة، أو تسليم المهمّات الأمنية الداخلية فيه للسلطة الفلسطينيّة، على الرغم من تحسّن علاقتها بهذه الأخيرة في الأشهر القليلة الماضية. والمُشكلة التي لا تزال تحول حتى الساعة دون التوصّل إلى وقف للنار، تتمثّل في أنّ جمهورية مصر العربيّة التي أخذت على عاتقها محاولات إيجاد مخرج للأزمة، لا تتمتّع بعلاقة ثقة جيّدة مع حماس، الأمر الذي يجعل هذه الأخيرة بموقع المُرتاب والمُتردّد بالموافقة على أي بند مطروح وعلى أي تسوية مُقترحة. وتَعتبر الحركة أنّ حرب الإستنزاف ستُعزّز شروطها التفاوضيّة، وليس العكس، وستدفع العدو إلى الموافقة على وساطة من جانب تركيا أو قطر أو غيرهما. كما تراهن حماس على فشل العدو في عمليّتها الأمنيّة البرّية، وتتوقّع أن لا تكون موسّعة، بل محصورة في قطاع جغرافي ضيّق، وذلك من باب التهويل والضغط وليس بهدف إعادة إحتلال القطاع. أما العدو الصهيوني فيسعى من خلال تصعيدها البرّي المستجدّ رفع منسوب الضغط إلى أقصى درجة، علّها تنجح بكسر تعنّت حماس، وعلّها تستجلب ضغوطاً دوليّة أكبر على الحركة.
بقلم جمال ايوب