فهل يدرك حكام العرب هذه الحقيقة ؟
لا أعتقد أن أحدا يختلف معي في أن الأمة العربية تمر بمرحلة من أسوأ مراحلها بل إن الذي يدرس تاريخ هذه الأمة يدرك أنها في مرحلة الغزو الصليبي لها كانت أفضل من حالها الآن وكذلك كانت أثناء الاحتلال الذي تعاقب عليها من بعض دول أوروبا في القرن الماضي ، ذلك أنها كانت آنذاك تعرف أهدافها بدقة كما كانت في الوقت نفسه تعرف أهداف أعدائها ولهذا كانت تكره هؤلاء الأعداء وتعمل بقوة لإخراجهم من ديارها وكان هذا الهدف – وفي معظم مراحله – يتعاون فيه الحكام مع كافة طبقات الشعب نظرا لتوافق الأهواء وتوحدها… أمتنا الآن في وضع مختلف تماما فحكامها بعيدون عن تطلعات شعوبهم بل إنهم يترفعون حتى عن الاستماع إلى مطالب هذه الشعوب ، كما أن بعض أفراد هذه الأمة ينظر إلى مستعبديه ومحتليه على أنهم القدوة والمثل الأعلى الذي يجب أن يحتذى والمؤسف أن هذه الفئة محسوبة على طبقة المثقفين في هذه الأمة… أمتنا تحارب الآن وبصورة معلنة من الأمريكان والعدو الصهيوني وهؤلاء لا يخفون عداءهم لهذه الأمة كلها وإن كانوا يغلفون هذه النوايا بكلمات لا قيمة لها ولا تخفف الواقع المؤلم الذي نراه كل يوم. الأمريكان وفي غمرة حديثهم عن الإرهاب ومحاربته احتلوا بلدا عربيا مسلما وقتلوا الآلاف من أبنائه ودمروا بنيته التحتية وكانوا يتطلعون وهم يقومون بهذا العمل إلى أن يكون لهم قواعد عسكرية في الوطن العربي تسهل عليهم بسط نفوذهم الكامل على دول المنطقة وتغيير أنظمتها بما يتلاءم مع المطالب الأمريكية ، وكانوا – وما زالوا- لا يخفون هذه النيات وها نحن نسمع وباستمرار كيف يتحدثون عن بعض الدول العربية ويكيلون لها التهم جزافا بغية إخضاعها وإذلالها.واحتلال بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل مع أن الجميع يدرك زيف هذه الادعاءات ويدرك أن مصالح أمريكا والعدو الصهيوني وراء اي الاحتلال ، وها نحن نقرأ اليوم أن خبراء صهاينة يقولون إن اي انتصار أمريكي في الوطن العربي زاد من الفائدة الاستراتيجية التي يتمتع بها العدو الصهيوني في مواجهة العرب .
ويحار المرء وهو يرى الغطرسة الأمريكية والصهيونية والضعف العربي ، ومع أنني أتمنى أن يكون في بلادنا كل أنواع الأسلحة وهذا من حق كل دولة عربية ما دام العدو الصهيوني يمتلك مثل هذه الأسلحة إلا أنني أعرف أن الأمريكان ومن معهم يعرفون أن الوطن العربي لايوجد فيه اي اسلحة محرمة دولين سوريا ليس لديها مثل هذه الأسلحة كما أنها لا تدعم الإرهاب إلا أنهم يعتقدون أن هذه التهم قد تحقق لهم بعض المكاسب السياسية والمادية. هذه التهم لم تقف عند حد سوريا أيضا متهمة بدعم الإرهاب – حسب المفهوم الأمريكي والصهيوني – لأنها تدعم حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية التي تدافع عن بلادها , العدو الصهيوني بدوره قصفت مواقع في سوريا وانتهكت الأجواء اللبنانية وهددت بتكرار هذا العمل في أي بلد عربي آخر مستهينة بكل العرب وحاصلة على دعم أمريكي مطلق. هذه الممارسات وسواها تهدف إلى إخضاع سوريا وتخويفها لتمتنع عن تقديم أية مساعدة لمن يقاتل دفاعا عن وطنه ضد العدو الصهيوني ، وفلسطين بعد سقوط الأنظمة العربية وانشغال الدول العربية في صراعات داخلية تنفس الكيان الصهيوني الصعداء ، فهذا نتاج ما كان يخطط له وما يحلم به بأن ينشغل العرب والمسلمين في الشرق الأوسط بصراعات داخلية على الكرسي ، وينفرد هو في التنكيل بالفلسطينيين واغتصاب المزيد من الأراضي عبر المد السرطاني الاستيطاني الذي لم يقف ولم يوقفه احد. المقاومة هي الشوكة التي تقف في حلق الاحتلال ، فهي الشغل الشاغل له بالوقت الراهن بعد أن سقطت كل القوي الخارجية التي تهدد أمنه ، لم يبقى إلا غزة ومقاومة غزة تؤرق نومه ، فالصواريخ التي تمتلكها المقاومة تستطيع أن تضرب العمق الصهيوني ، والأنفاق سلاح استراتيجي يخفي المجهول لجيش الاحتلال ، غموضه يؤرق تفكير الأجهزة الأمنية وجيش الاحتلال. هل ستقف غزة تواجه مصيرها وحدها ، المتأمل للموقف بعد تخلي الأنظمة العربية وتلاشي البعد العربي وحلول الخريف العربي وحصار بل خنق غزة من الأشقاء قبل الأعداء يؤكد أن غزة ستقاتل منفردة بالميدان ، لكن المتأمل جيدا والمتابع يدرك ان الاحتلال اقترف خطأ ، فغياب الأمن والنظام القابضة على مفاصل الدولة وبالذات الدول التي تحد الكيان،ممكن ان يدفع بجماعات جهادية العبور لدحر الاحتلال. هذه الجماعات لا تكترث بالاتفاقيات الدولية ولا بمصالح الدولة العليا ، الجماعات اذا كان همها هو الجهاد في فلسطين وتحرير المقدسات من دنس اليهود ، المعركة مفتوحة امام كل من يريد الجهاد ، العدوان الصهيوني على غزة سيكون عملية فحص الى كل ما يسما حركات الجهاد في الوطن العربي التي تتغنا بلجهاد من اجل تحرير فلسطين فهل ممكن ان نشهد النيران تفتح من أكثر من جانب على العدو ؟؟
فنتاج تدمير الأنظمة العربية ولد فراغ وفتح الباب للجماعات الجهادية وقرب الطريق لها إلى فلسطين وهذا ما لم يكن في حسبان الاحتلال.
مواقف العدو الصهيوني من العرب لا تختلف كثيرا عن المواقف الأمريكية غير أن العدو لهو مطامع أكبر في هذه المنطقة فهوا يسعى لأن تكون دولته ممتدة ما النيل إلى الفرات وهذا يعني أنهو يخطط فعلا لاحتلال ما تبقى من فلسطين ثم التمدد إلى الأردن – كخطوة لاحقة – ثم الدول الأخرى فيما بعد مستفيدة من الدعم الأمريكي الكامل وضاربة عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة ومستهين بالعرب لأنهو يدرك ضعفهم وتخاذلهم. العدو الصهيوني يدمر ويقتل الفلسطينيين ويستولي على أرضهم ويهدد الباقين والعرب يكتفون بالصمت بل إن البعض بدأ يميل إلى اعتبار المقاومة عملاً إرهابياً… الأطماع الصهيونية والأمريكية في بلادنا العربية أمر واضح للعيان وإذا كنت شخصيا لا ألوم هؤلاء على كل ما يفعلونه باعتبارهم أعداء لهذه الأمة إلا أنني أضع اللوم كله على حكام العرب وشعوبهم ، على الحكام أولا لقبولهم بمثل تلك الاعتداءات ورضوخهم للضغط الأمريكي والصهيوني وعلى الشعوب – ثانيا – لسكوتهم على ما يحل بهم .
ويحار المرء من موقف الدول العربية إزاء هذه المفاهيم وإزاء ما يخطط لهم مع أن هذه المواقف تضر بمصالحهم – شعوبا وحكاما – وإلا فكيف نفهم المواقف السلبية مما يجري في العراق وسوريا وفلسطين ؟ ولماذا لا تقدم الدول العربية كلها دعما واضحا للمقاومة الفلسطينية ؟ ولماذا لا تعلنها صريحة أن المقاومة حق مشروع لكل الدول المحتلة ؟، الكيان الصهيوني عدوة لكل العرب وليس للفلسطينيين وحدهم وكان من حق المقاومة أن تلقى كل الدعم من حكام العرب لأن هذه المقاومة هي خط الدفاع الأول عن الدول العربية كلها. أمريكا تقدم مليارات الدولارات للعدو كما تقدم لهم كل أنواع الأسلحة لضرب المقاومة وكذا ضرب الدول العربية ، أما حكامنا فهم يخشون الحديث عن دعم المقاومة كما لا يفعلون شيئا إيجابيا للدفاع عن بلادهم المهددة وليتهم وقفوا عند هذا الحد ففي الوقت الذي يمارس فيه العدو الصهيوني كل أنواع الجرائم في فلسطين وبعد ضربها لسوريا وتهديدها لدول عربية أخرى نرى أن بعض بلادنا تستقبل مسؤولين صهاينة وكأن شيئا لم يكن.
الشعوب العربية تتطلع إلى وقفة جادة من حكامهم تشعرهم أن هؤلاء الحكام يقفون إلى جانبهم ويتلمسون قضاياهم… يتطلعون من حكامهم إلى وقفة حازمة تجاه العدو الصهيوني تبدأ بقطع كل العلاقات مع العدو – سياسيا واقتصاديا – ودعم المقاومة دون حياء أو خجل , ودعم كل دولة يهددها العدو الصهيوني أو أمريكا. نريد من حكام العرب أن يقفوا بحزم تجاه المطامع الأمريكية في بلادنا وثرواتنا. يجب أن نرفض تعريفهم للإرهاب الذي لا ينطبق إلا على الشعب العربي . يجب على حكام العرب أن يقولوها صريحة.إن المقاومة في فلسطين ولبنان حق مشروع وعلى الأمريكان أن يرحلوا عن بلادنا كما أن عليهم أن يوقفوا دعمهم للعدو . يجب أن يقال لهم بوضوح. إن أعمالهم هي التي تشجع على الإرهاب وتفرخ الإرهابيين يجب ألا تخضع دولنا لابتزازهم فتدفع لهم أموالا هي من حق شعوب هذه الدول… أليس من مصلحة حكام العرب أن يقفوا إلى جانب شعوبهم ؟ أجزم أن هذه الشعوب ستقف وبكل قوة إلى جانب هؤلاء الحكام إذا عرفت أنهم يقفون إلى جانبها وستكون أقدر على حمايتهم والدفاع عنهم إذا وقع الخطر فلن يقتصر على الشعوب وحدها ، ولكنه وبكل تأكيد سيطال الحكام كذلك ويومها لن يجد هؤلاء الحكام أحدا يقف معهم ما داموا لا يقفون إلى جانب شعوبهم ، فهل يدرك حكام العرب هذه الحقيقة ؟ إن مصلحة الشعوب ومصلحة الحكام أن يكونوا يدا واحدة ولن يحمي بلاد العرب إلا أبناؤها ومن ينتظر الحماية من الأعداء فهو واهم لا محالة ، فهل ندرك جميعا هذه الحقيقة ؟.
بقلم جمال ايوب