ثلاثية الشعب والجيش والقيادة
وكالة الناس – د. رجائي حرب
منذ أن تم تحديد موعد الانتخابات النيابية وأيدينا على قلوبنا كرجال للأمن العام؛ سواء كنا متقاعدين أو عاملين لأن مثل هذه الاستحقاقات الوطنية الكبيرة لا بد وأن تتم وسط جهوزيةٍ أمنيةٍ عالية، واستعدادات وطنية كبيرة تتكاتف بها جهود الجميع لنصل إلى النهاية السعيدة التي يطمح بها كل من يعيش على هذه الأرض المباركة.
وأثبتت التجربة أن مَنْ خطط لإجراء هذا الحدث الانتخابي الكبير، ووسط كل هذه الظروف الشائكة من انتشار وباء كورونا، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وازدياد حالة التأزم بالمنطقة، والتشنج والاحتقان داخل المجتمع الأردني، واهتزاز حالة السلم المجتمعي، لم يأخذ بعين الاعتبار لكل هذه الظروف في حساباته؛ حتى وصلنا إلى مرحلةٍ لا نحسد عليها من محاولات (الترقيع).
وأفضت إلى ما أفضت إليه خلال اليوميْن الماضييْن؛ رغم أننا صرخنا وبأعلى أصواتنا بأن تأجيل الانتخابات ضرورةٌ ملحة وهدف سامي؛ إلا أن المتحكمين بالقرار (ركبوا رؤوسهم) وصمَّموا على قرارهم باعتبار أن تراجعهم سينعكس سلباً على مكانتهم.
أما صانع القرار واليوم وبعدما وقعت الفأس بالرأس وتم إجراء الانتخابات النيابية وما شهدناه من استهتار شعبي بلزوم قواعد السلامة وأصبح لزاماً (تقطيب ولملمة الموضوع) حتى لا تكبر كرة الثلج التي بدأت تتدحرج وسط هذا التخبط بالعديد من الأطراف؛ سواءاً الشعبية أو الحكومية، وعندما يتم معالجة الوضع والتعامل مع الأزمة تبدو ملامح التعامل غير منطقية البتة وفيها نوع من أنواع إلقاء اللوم كلٌ على الآخر.
وكان الأولى على خلية الأزمة أن تجيب على العديد من الأسئلة قبل الذهاب لافتراض حلولٍ متسرعةٍ ستزيد (الطينة بله) وستؤدي إلى المزيد من الارهاصات التي ستؤثر على منظومة الأمن الوطني وستخلق مزيداً من الإشكالات التي لن يحمد عقباها.
فمن يجيبنا السؤال (الكبير): من أين دخلت كل هذه الأسلحة المتطورة إلى الاردن ومن هربها للداخل؟ ومنذ متى وهي تدخل حتى وصل الحال عند البعض إلى حالة التكديس والتخزين الكبير؟ ولماذا نزع المواطن الأردني إلى تفضيل شراء هذه الأسلحة المتطورة على شراء الطعام لعياله؟ وأين الأجهزة الأمنية التي تراقب الحدود والتي على الدوام نثق بقدرتها ومنعتها وقوتها؟ وأين التشريعات الصارمة التي تمنع وتحرم امتلاك المواطن للسلاح الاوتوماتيكي، وتضرب بيدٍ من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمثل هذه الأسلحة الخطرة؟
وأين دور الدولة العميقة التي يجب أن يشارك فيها مخاتيرها وشيوخ عشائرها وخطباء مساجدها وأساتذة مدارسها وجامعاتها ونوابها وإعيانها ومحافظيها ومتصرفيها في تدعيم السلم المجتمعي وتوفير حالة الاستقرار الوطني؟ ومن الذي أغفل الانتباه عن خطورة هذه الأسلحة؟ ومن الذي خلق الشعور عند بعض إخوتنا الأردنيين بأن هناك مواطن درجة أولى لا يحاسب ولا يدان ولا يعترضه القانون، ومواطن درجة ثانية تطبق عليه القوانين بحذافيرها؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة هي التي ستخلق الحل المناسب للتعامل مع هذه المصيبة التي أوقعنا بها بعض الذين يرسمون سياساتنا العامة، وهم لا يدركون حقيقة وواقع المجتمع الأردني، ولم ينتبهوا لدقائق الأمور في الصورة النمطية لعيش الانسان الأردني من عادات وتقاليد فكيف يتم إجراء انتخابات نيابية بقانون أعرج يؤسس للعشائرية ويزرع الفتنة بين أعضاء الكتلة الواحدة ويؤكد على استخدام المال الأسود ويتم اعتماد النتائج فيها (بمن حضر وأدلى بصوته) ولا تريد من أبناء العشيرة التي فاز نائبها أن (تجاكر) العشائر الأخرى بفوزه وأن يخرجوا ويكسروا الحظر المفروض ولا يراعوا أسس ومعايير السلامة المتبع، ويستخدموا كل الأدوات التي تعبر عن كبتهم وبعض السلوكيات المنحرفة عند البعض.
وبالتالي يضعونا جميعاً أمام فوهة بركان ستنفجر بوجوهنا جميعاً وكيف يتم إجراء الانتخابات بظروف عصيبة كالتي نعيشها؛ وعاداتنا وتفاليدنا تقوم على أن تذهب الناس للمباركة للنائب الفائز ولعشيرته كون هذا الحدث يؤسس لمنعة العشيرة وقوتها وما يتخللها من (تحضين، وبوس، ومصافحة، وتقارب لدرجة التلاصق) وكيف تتم مثل هذه الانتخابات ونحن جميعاً درجنا منذ نعومة أضفارنا على أنه بعد اعلان النتائج نعود إلى مضافاتنا ودواويننا العشائرية والمقرات الانتخابية لتهنئة الفائز ومواساة الخاسر وهذا من جوهر عاداتنا؟
من الذي غفل أو تغافل عن كل هذه العادات والتقاليد في مجتمعنا حتى يضعنا اليوم أمام القرار الصعب، الذي ربما يصل لنزول القوات المسلحة إلى الشوارع إننا في هذا البلد الكبير الذي بنى ديمومته على ثلاثية العهد الأبدية والقائمة على قوة الشعب والجيش والقيادة.
لا بد وأن نؤكد على أننا شركاء في هذا الوطن، وأن كل واحدٍ منا مسؤولٌ عن رعيته، ولا يجوز التفريط بأمن الوطن ولا بسداد قراره؛ وأن نسعى بكل جهد لتصحيح الخطأ أينما وجد، وبتوجيه الانتباه إلى مكامن الضعف فيه حتى يتم تسويتها؛ وحتى نبقى مثابرين على ما تعاهدنا عليه منذ تأسيس الدولة؛ فلا تفريط ولا تهاون في كل أمرٍ مهما صغر أو كبر إننا في هذا البلد الطيب الذي طالما استوعب كل مشاكل المنطقة وكان على الدوام بلد المهاجرين والانصار.
علينا أن نعطي الأجهزة الأمنية – التي طالما حفظت الأمن والاستقرار في دول العالم – نعطيها الفرصة للتعامل مع هذه الأزمة؛ وكلنا ثقة بقياداتها وشخوصها ومنتسبيها الذين كنا وما زلنا جزءاً منها؛ وأن لا تصل الأمور لاتخاذ القرار الصعب الذي يضع الجيش في مواجهة الشعب، فالجيش منا ونحن أهله ومحبيه وحاضنيه وداعميه، ولا نريد لهذه العلاقة الأخوية المميزة أن يشوبها عبثُ عابث أو جهالةُ حاقد يقوم بافتعال حدثٍ يقودنا إلى التصادم وإلى ما لا يحمد عقباه.
إن صوت الحق والعقل والمنطق هو الصوت الذي يجب أن يعلو في مثل هذه الظروف، وهو الصوت الذي يجب أن يسمعه الجميع – المسؤولين قبل عامة الشعب – وهذا الوجوب هو وجوب المتسلح بحب وطنه والمعتز بقدسية أرضه وسمو أردنيته؛ وهذا ما جعل علاقتنا على هذه الأرض علاقة الأسرة الواحدة والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.