لم نعد كغثاء السيل
وكالة الناس – م. إياد أبو هواش
حتى وقت قريب، كنا نجزم بأننا كمسلمين – على الرغم من كثرتنا – كغثاء السيل، هذا الوصف هو ذاته الذي أطلقه سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) على أمته عندما أراد التحذير بأن الكثرة لا تغن شيئا عندما يتكالب الأعداء عليها، فطالما أنها بعيدة عن كتاب الله وسنة نبيه فهي هدف سهل للآخرين؛ إشارة إلى أنها بلا فائدة مع كثرة تعدادها.
هذه العتبة التي وصلنا إليها، عانينا منها لأكثر من مئة عام، وتحديدا منذ بدايات القرن الماضي عندما وجد الإسعمار طريقه في جسد أمتنا الإسلامية وعاث فيها فسادا ومازال، ويكفينا أن الأرض المقدسة في أيدي أعداء الله منذ ما يزيد عن سبعين عاماً.
لكن اليوم وبعد أن باح الرئيس الفرنسي ماكرون بأحقاده على الإسلام وسماحِهِ بالإساءة لرسولنا الكريم والتهديد والوعيد بالإضافة للتضييق على المساجد والجمعيات الإسلامية في فرنسا فقد يسّر الله للمسلمين أن توحدت كلمتهم – بهذا المستوى لأول مرة – على نصرة دينهم ورسولهم الكريم (عليه الصلاة والسلام).
صحيح ان المسلمين انتفضوا سابقا عندما تمت الإساءة لسيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) عندما كان مصدر الإساءة من الدنمارك وهولندا ومن صحيفة شارلي ابدو الفرنسية، إلا أن ذلك لم يكن بالمستوى القوي مقارنة بما نشهده هذه الفترة.
فالإختلاف هذه المرة أن الإساءة صدرت من أعلى هرم السلطة في فرنسا؛ مما أدى إلى اهتمام كبير وواسع من نسبة كبيرة من المسلمين للرد على تصرفات الرئيس الفرنسي وتبنيه لفكرة نشر الرسوم المسيئة والسماح بذلك بقرار رئاسي.
قيام فرنسا بسلوك طريق الكراهية للمسلمين، خصوصا لرمزهم سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) أمر يختلف عما حدث سابقا في الدنمارك وهولندا.
فعندما تتبنى دولة قوية بحجم فرنسا الهجوم على رسولنا الكريم فهذا أمر مهم جدا، لأن الرد سيكون بحجم هذه الدولة وبحجم علاقاتها الإقتصادية مع العرب والمسلمين.
نستشعر مما حدث أن الله عز وجل يدفعنا إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب أوراقنا واكتشاف مكامن قوتنا والسبيل لتقارب حقيقي بين المسلمين.
إن تأديب دولة قوية جدا، أو بمعنى آخر (دولة نووية) دون حرب عسكرية هو أكبر انجاز يحلم به العرب والمسلمون، وهذا ما سيحصل بمجرد استمرار المقاطعة الجماعية للمنتجات الفرنسية لمدة طويلة، هذا السلاح الناجع سيكون رادعا قويا ضد أي دولة أخرى، وسيمنعها من التضييق على المسلمين أو التآمر عليهم بشكل واسع.
إن ما حصل مع العرب والمسلمين هذه المرة يمكننا تسميته بالصيد الثمين؛ فهذه فرنسا التي مازالت تمارس استعمارها في افريقيا وفي كثير من الدول الأخرى هي من الدول العظمى، وكسرها معنويا هو كسر لهيبتها وشوكتها كدولة من دول الإمبريالية العالمية.
لقد أخذت الشعوب زمام المبادرة، وانصاعت كثير من الأنظمة الحاكمة لضغوطات مواطنيها خشية غضبهم، وقد أخذت هذه الشعوب قرارها بعقاب فرنسا بلا عودة.
ولأن حالة التقارب بين الشعوب الإسلامية وكذلك العربية غير مسبوقة؛ فإن هذا يبشر بعودة حميدة للجذور ويبث الأمل أننا سنجتمع على كلمة واحدة مجددا، وأصبح لدينا يقينٌ بأننا لم نعد كغثاء السيل بل أمة صاحبة عِزة.
وسنكون كما أمرنا الله سبحانه وتعالى ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام .