حكاية الأمير مع قصر المشتى
عُرف عن نظام الحكم الأردني منذ تولي الراحل جلالة الملك الحسين إبن طلال في العام 1953 لسلطاته الدستورية وحتى رحيله عن الدنيا في السابع من شباط 1999 التناغم الكامل بين قطبي السياسة الأردنية، وهما الملك الحسين واخيه سمو الأمير الحسن إبن طلال، فقد حمل الأول هموم المنطقة وأصبح لاعباً اساسياً فيها، بينما ركز الثاني جهوده على الشؤون المحلية، فقد ترأس اللجان المشرفه على خطط التنمية المتتاليه (1973-1975) والتي تلتها (1976-1980) و (1981-1985) و (1986- 1990) وهو الذي اسس الجمعية العلمية الملكية وغيرها كثير من المؤسسات والمنتديات الهامة.
لقد عُرف الأمير الحسن بين الأردنيين كمواطن قريب من همومهم ومجبول بطبائعهم ومحب لطعامهم وجلساتهم على بساطتها، وأزعم أنه قادر على التجوال في جميع مناطق المملكة بدون حراسه، لأنه وببساطه محبوب من الناس.
وقد تقلد سموه منصب ولي عهد المملكة من العام 1965 حتى العام 1999 تولى خلالها إدارة البلاد نيابة عن الملك مرات عديدة، وكان اكثرها تأثيراً تلك الفترة العصيبة التي مررنا بها أثناء مرض الحسين وغيابه المتكرر عن الوطن للعلاج.
وقد حدث أن زار الملك الحسين جمهورية ألمانيا الإتحادية في العام 1997 تسلم خلالها من رئيس الدولة جائزة الإعلام الألماني، وقد وجه خلالها دعوة للرئيس لزيارة المملكة، والتي لباها في العام التالي، ولكن هذه السنة كانت قد شهدت غياباً متكرراً لجلالته عن الوطن بسبب المرض كما ذكرنا.
لقد زار الرئيس الألماني د. رومن هيرتسوج Roman Herzog الأردن مصطحباً معه طاقم متكامل من فرقة موسيقية كبيرة وطهاه ألمان وكثير من الدبلوماسيين، وقد نظمت له السفارة الألمانية بعمان حفل إستقبال في أحد الفنادق ودعت إليه نخبة من الأردنيين والأجانب وقد كنت وزوجتي من المدعووين، وأنقل اليكم ما حدث في الحفل.
حضر الرئيس الألماني بمعية سمو الأمير الحسن، وقد أرتجل كل منهما كلمة مقتضبة قبل إفتتاح الفعالية الإجتماعية، فماذا قال الحسن بحضور نخبة من الأمراء وكان من ضمنهم الأمير عبد الله الثاني (آنذاك) ملك البلاد حالياً.
لقد تحدث الحسن عن دور الثقافة في التقريب بين الشعوب، وذكّر الرئيس الألماني بأن للأردن أمانه لدى الدولة الألمانية، موجودة في متحف برجامون Pergamon Museum وهي قطعة من واجهة قصر المشتى، هذا القصر الصحراوي الأموي الذي بني في القرن الثامن الميلادي والذي استعمله الوليد الثاني كمقر شتوي (مَشّتى) في العام 743/ 744، حيث أهُمل القصر بعد إغتياله ودُمّر بعد الزلزال، وقد اكتشفت البقايا في العام 1840 حيث أهدى السلطان العثماني عبد الحميد هذه الواجهات للإمبراطور الألماني فيلهيم الثاني Wilhelm II of Germany وهي موجودة حاليا هناك بعد ترميمها وهي واجهة منحوته زخرفة بالحجر الطبيعي بطول 33 متر وبإرتفاع خمسة أمتار، وقد وقفت امامها عدة مرت في هذا المتحف وكنت ارتجف حسرة على وجودها هناك، ولم يشفي غليلي سوى جرأة الأمير الحسن الذي خص نصف كلمته الترحيبية بالضيف الألماني للحديث عن هذه القطع الموجودة لديهم.
لقد قال الأمير مخاطبا الضيف والحضور، وأنا شاهد على ذلك … نرجو من سيادتكم العمل على إعادة هذه القطع للأردن، فما كان من الضيف إلا أن إستغرب هذا الطلب ولم يعطي جواباً على ذلك في رده على كلمة سمو الأمير الحسن آنذاك.
هذا الأمير …. منا وفينا، ولا يترك حقاً أردنياً إلا وتابعه، وقد شاهدناه بالأمس في حفل إفتتاح المرحلة الأولى من أعمال ترميم قصر المشتى الذي تموله الحكومة الألمانية، ولكني ازعم بأن سمو الأمير لن يهدأ له بال إلا برجوع واجهة قصر المشتى من برلين الى صحراء الأردن حيث تنتمي، وأن الأعمال الترميمية على قلتها، وبكلفة أقل من نصف مليون دينار، لن تكون بديلاً عن الطلب الأردني الأصلي الذي طالب به سمو الأمير متحدثاً بلسان المملكة آنذاك، أن أعيدوا لنا واجهة قصر المشتى لتكتمل أعمال الترميم التي بدأت … فالمبنى بدون واجهته الأصلية … ليس ذي قيمة.