هل يصدق الفلسطينيون هذه المرة في مصالحة
كان الكلام الكثير والفعل القليل هما سبب إنعدام مصداقية المصالحة بين الناس ، هل ذابت المشاكل العالقة ؟ وهل زالت العقبات المستعصية ؟ خاصةً أن الشعب الفلسطيني قد مل التأجيل ، وعاف الفشل ، ويئس من الحل ، وبات يهدد بالثورة والخروج إلى الشوارع شأنه شأن أي شعبٍ عربيٍ آخر ثار وانتفض ، وهو السباق في ميدان الثورة والأول في مضمار الإنتفاضة ، والأقدر على التضحية والفداء ، وليس أقدر منه شعبٌ على الصبر والثبات والتضحية والفداء ولعله يعرف أهدافه ، ويدرك مشاكله .
هل يجب على الفلسطينيين أن يصدقوا هذه المرة المتحدثين بإسمهم الجاثمين على صدورهم ، والمتمسكين بمناصبهم ، والخائفين على وظائفهم ، والساعين لمصالحهم ممن لا يهمهم الوطن ولا يعنيهم الشعب ، إذ لا يحسون بمعاناتهم ولا يشعرون بألمهم ولا يشكون مثلهم ، ولا يصطفون طوابير كأهلهم ، ولا تعتم بيوتهم وتتوقف أجهزتهم ممن يتشدقون بالمصالحة ويدعون التوافق ، ويعلنون دوماً التوصل إلى نهاية سعيدة لأحزان الشعب والوطن المقطع الأوصال ، يحل المشاكل ويتجاوز العقبات ، ويكون في حقيقته إتفاقاً ناجزاً مختلفاً عما سبقه ، ومغايراً عما إعتاد عليه المواطنون الفلسطينيون وأنه واقعٌ لا سراب ، وحقيقةٌ لا خيال ما الذي إختلف هذه المرة حتى يصدق الشعب ويؤمن الفلسطينيون بأن اليوم ليس كالأمس .
إن الحوار هذه المرة جدي وصادق ، ستكون مختلفة عن القاهرة ومكة والدوحة بكل طبعاتها ، فما الذي إختلف وإستجد ولماذا يلزم الشعب بأن يصدق ويبني آمالاً على هذه المرة ؟؟ وأن ما كان لن يتكرر وأن الفشل لن يعرف طريقه من جديدٍ ، لأنه مغايرٌ ومختلف ظرفاً وزماناً ، رغم أنه متشابهٌ ومتكررٌ مكاناً ، الحقيقة ألا شئ يشجعه على التصديق والإيمان بأن سيكون خاتمة الأحزان ، وأنه ستأتي حكومة توافقية لخدمة الشعب ، ورفع الحصار ، وإعادة الأعمار ، والنهوض بشؤون البلاد ، وسيتضامنون معاً إلى جانب القوى والأحزاب للخروج من الأزمة التي طال أمدها ، وإستعصت حلولها ، وتفاقمت مفاعيلها ، وسيلتفتون إلى المستقبل الخطر الذي يكشر فيه الصهاينة عن أنيابهم بمصادرةً للأراضي ، وتوسعةً للمستوطنات وإعتداءاً على المقدسات والمواطنين.
فهل ستنجح حكومة التوافقية العتيدة فعلاً في تفعيل لجنة الإنتخابات لإجراء انتخاباتٍ تشريعية و للمجلس الوطني بما يحقق العدالة في التوزيع والشمولية في التمثيل ؟ ليساهم بدوره في تذليل العقبات وحل المشاكل ، وتبييض كل صفحات الإنقسام ومن الذي يضع العقبات ويحول دون الإتفاق تأخيراً أو إعاقة ، ومن الذي يسعى بصدقٍ ومن الذي يحاول تمرير الوقت واجتياز المراحل ، ولن يرحم التاريخ رجالاً كانوا عنواناً للإنقسام وعلامةً فارقة للإختلاف ، في الوقت الذي كانت فيه كل الأهداف بينة ، وكل وسائل الإتفاق معروفة وتصحيح المسارات ، ومحاسبة الفاسدين واستعادة الحقوق ، والإلتفات إلى هموم الشعب الملحة في رغيف الخبز والكهرباء واسطوانة الغاز والوقود والعمل ومحاربة البطالة وإيجاد مساكن كريمة وملائمة ، وغيرها من الاستحقاقات الداخلية ، وتلفت الإنتباه عن كل مسألةٍ أخرى مهما كانت أولويتها وضرورياتها .
فلا أولوية لغير القضايا الوطنية ، ولا تقديم للعام على الخاص ، ولا إهتمام بالخارج على حساب الداخل ، ولا مخاطرة بمستقبلٍ قد لا يجود الزمان بمثله ، على جميع القادة أن يدركوا أن هذه هي فرصتهم الأخيرة ، وأن عليهم أن يصدقوا ثورة الشعب وتهديده ، وأن يدركوا أن الفرصة المتاحة أمامهم هذه المرة لن تتكرر ، فلم يعد لدى الشعب أي فرصةٍ للصبر ، ولن يقبل أن يكون محطاً للسخرية والتهكم ، وأن يكون حقلاً للتجارب والأهواء ، ومجالاً للمناورات والإنقلابات ، فهذه الفرصة هي الأخيرة ، وهذه المحاولة هي النهاية .
بقلم الكاتب جمال أيوب