0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ظاهرة العنف ضد الكوادر الطبيّة

  
إلى وقتٍ قريب كانت الوظيفة الحكومية محاطة بهالةٍ من القداسة والتقدير ويُنظر إلى شاغلها بكثيرٍ من الاحترام والاهتمام . حتى الوظائف البسيطة كان يُعامل صاحبها بفيضٍ من المشاعر الطيبة ويحظى بالمحبة و الرعاية . فكيف بالمهن التي تتطلّب تخصصا دقيقا ودراسة طويلة وإمكانات ذهنيّة ومادية كبيرة كالطب والهندسة ….. الخ ، فهؤلاء كان لهم في المجتمع مكانة كبيرة يتطلع إليها كل إنسان . فمعظم آمال الأطفال وأحلامهم وأهليهم كانت تتعلّق بتلك المهن يبذلون كل ما يستطيعون للوصول إليها .
كبرت الدولة ، وتوسّعت خدماتها وانتشرت مؤسساتها فتضخّم جهازها الإداري وزاد عدد الموظفين من مختلف المهن والمستويات والدرجات . وبعد أن كان هناك جامعة واحدة تنتقي طلبتها بعناية بسبب محدودية عدد المقاعد . ومن لم يُتح له دخولها كان يتّجه للدراسة في الخارج في جامعات في معظم أقطار العالم رغم التكلفة المالية التي يتكبدها الأهل والمجتمع والاقتصاد . ثم زاد عدد الجامعات الحكومية والخاصّة ، وأصبح التعليم متاحاً للجميع والجامعات تضخّ خريجيها من مختلف التخصصات إلى السوق كل عام بل كل فصل ، فالنادر أصبح كثيراً .
لم يكن التطور في التعليم فقط ، بل في القيم وفي نظرة المجتمع والأفراد للحياة والأشياء . وبسبب الأوضاع الاقتصادية حدث إعلاء للقيم الماديّة ، وأصبح عليها مدار نظرتنا وتقييمنا للأشياء والناس . فقيمة الإنسان يحددها دخله وما يملك . وبسبب هذا التّشوه برزت طبقات أُخرى من التجّار والمقاولين ورجال الأعمال ، بعضهم يتاجر في كلّ شيء ، والمهم هو الكسب والربح فقط .
وعندما تخبو صفات التّراحم واللطف والمعاملة الحسنة والاحترام بين الناس ، تسود صفات أُخرى مضادّة لها ، فتصبح الإساءة سهلة سواءً أكانت لفظية أو ماديّة ، وكلاهما مرّ . وكما أنّ الأخلاق الحسنة تنتقل بالقدوة ، كذلك السّيئة بالإقتداء والتقليد . إضافة لصفة التّسامح والطّيبة المبالغ بها والتي يتمّ التّعامل بها مع بوادر هذه التّعاملات الخشنة ، فمن أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب .
وكما أنّ الخير يعمّ ، كذلك الشر . فظاهرة العنف لا تقتصر على الكوادر الطبية فحسب ، فهي نتاج تربية تبدأ من البيت ، تنتقل مع الفرد أنّى حلّ أو ارتحل . في المدرسة والجامعة والعمل . وأصبح الأسلوب الأسهل والأسرع والأمثل ( حسب فهمه ) لحل أي مشكلة أو للحصول على أيّ شيء . فهذه الظاهرة هي فرع لمشكلة أكبر هي كيفيّة التعامل مع الآخر والأسلوب الأمثل لحل أي خلاف .
إنّ الخلل التربوي والذي عادة يبدأ في البيت ويستمر في المدرسة والشارع ووسائل الإعلام ، شجّع على نمو ظاهرة العنف عند الفرد ، يُصاحبه تغيّر النظرة للآخر ، واعتباره عدواُ إلى أن يثبت العكس ، وهذا يحدد طريقة التعامل معه . فغاب خلق المعاملة الحسنة والاحترام للآخر بشكل عام وللأكبر ولأصحاب الحقوق والفضل علينا بشكل خاص .
ليس هناك ما يبرر أي ظاهرة للعنف ، فكيف مع من نذروا أنفسهم لخدمتنا والسهر على راحتنا ومعالجة ما يعترينا من أمراض ومشاكل صحية لنا ولأقرب الناس إلينا ، وتكون سعادتهم ومنتهى فرحهم بتحسّن حالة المريض ليصبح سليما معافى ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
ولأن المريض شخص ضعيف ، وأهله ومن معه يكونون في أقصى حالات الخوف والهلع على مريضهم ، فمن حقّهم الحصول على أفضل خدمة بأيسر وسيلة وألطف معاملة ، فالكلمة الطيبة صدقة . لذلك كان لزاما تدريب الموظف الذي يكون على تماس مباشر مع الجمهور بكيفيّة التعامل معهم وامتصاص غضبهم وعدم إثارتهم ، وأن يكون هؤلاء الأكثر خبرةً ومهارة خاصّة في أقسام الطوارئ .
وكان من الضروري تعديل القوانين والتشريعات التي تّغلّظ عقوبة الاعتداء على الموظف العمومي أثناء خدمته أو بسبب خدمته ، مع حملة توعوية تربوية في وسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية لتسود ثقافة يوم خالي من العنف ، تمهيداً لمجتمع يخلو من العنف اللفظي والمادي .حتى يُصبح هذا السلوك مستهجنا ومذموما ومدانا من الجميع .