علي أبو طوق … علمنا إن النضال هو حفظ الكرامة
نتذكر جيل بعد جيل شهداء ضرب بهم أروع الأمثلة في البطولة والتجرد والإلتزام , وقد إستشهد علي أبو طوق أثناء تصديه للقوات الحليفة للعدو الصهيوني التي كانت تحاصر مخيم شاتيلا ، وكانت حكايات شائقة عن مجموعة من المناضلين الرواد الذين قدموا أعمارهم في سبيل فلسطين , إن ما يقدموه الرجال تبرز في ميادين النزال لا على منابر الأقوال .
بعد حرب الليطاني 1978 كانت كتيبة الجرمق من حركة فتح في منطقة الساحل , وفي عام 1980 قامت قوات العدو بهجوم شرس على منطقة النبطية نفذه لواء جولاني الصهيوني ، إذ تحركت كتيبة الجرمق نحو المنطقة منذ اليوم الأول إلى النبطية قام الأخ الشهيد علي بالعمل على تحصين المواقع الأمامية و في قلعة الشقيف أرنون كفر تبنيت وحرش النبي طاهر وكانت المهمة صعبة جدا ، وكانت معارك طاحنة التي خاضتها الكتيبة في منطقة النبطية ، كان الشهداء يسقطون يوميا ، وعندها أخذ الشهيد علي عهدا على نفسه أن لا يجرح فدائي في المواقع الأمامية ، وبالفعل حصن المواقع حتى كنا نسمي قلعة الشقيف قلعة علي أبو طوق وكان لها أثر كبير في معركة الإجتياح 1982 .
الشهيد علي أبو طوق نموذجا للقيادة وهو قائد مقاتل ، أخ مبادر خادم للجميع ، كنا في حرش النبي طاهر وكنا نعمل معا في بناء الدوشم والخنادق وكان الجو باردا وثالجا ، وكان العمل كثير والإجهاد أكثر ، أصابني وقتها مرضا فقام الشهيد علي بنقلي إلى المستشفى في النبطية ، وبقى بجواري طوال الليل فشعرت بحنان الأب والأخ الحنون ، لن أنسى مواقف الرجال العظماء , كان مؤمنا بالتربية الجيدة للمقاتل ، ويحافظ على ممتلكات الجماهير اللبنانية كما يحافظ على ممتلكات وأموال الثورة ، مؤمنا بقضيته و يخط مصيره بيديه ، و مؤمنا ببناء الذات وبالعمل والإنجاز ، و جادا و حازما وشديدا , و بقدر ما يحمل من شجاعة وتحدي و قسوة كما عايشناه كان إنسانا وأبا وأخا حنونا ، مع المقتال كان مقاتلا صلبا ، متحدث جيد يستمع ويصغي ويحاور ويناقش ويشرح وينصت طويلا بلا ملل ، ويسأل عن المقاتلين فردا فردا ، وهو مثلا أعلى في العمل والمثابرة والتفاني.
علمنا إن النضال هو الضمان الوحيد لصلاح الأرض وحفظ الكرامة ، إن أرض الجهاد تصقل الروح وتصفي القلوب وتقلب كثيرًا من الموازين ، علمنا إن حياتنا النضالية وعزمنا ووجودنا مرتبط إرتباطًا مصيريًّا بالنضال من أجل الوطن , إن التبرير للنفس بالقعود عن القتال ضد العدو هو مجرد لهو ولعب , إن الذين يظنون أن الثورة يمكن أن تنتصر دون نضال وقتال ودماء وأشلاء هؤلاء واهمون !!! لا يدركون طبيعة هذه المعركة مع العدو الصهيوني , كان شعاره الدائم يجب أن نقدم أكثر وأن نصلّب كفاحنا وأن نرتقي بالثورة ، وأن الثورة هي حركة حيث لا هدوء ولا توقف بل خطوات متصلة وإنجازات ، كان يقول لا يوجد مقاتل سيء ، وإنما تربية خاطئة لذلك إعتبر بناء الذات والتربية الثورية في المقام الأول تعني حث المقاتلين على الثبات ، وعدم السماح بظهور العوامل السلبية وتطوير تلك الإيجابية , كان مقاتل ميداني يحفر الخنادق والأنفاق ويمسك ببندقيته وبوعيه معا .
الكل كان يتمنى اللحاق به ، خاض حروبه في المخيمات ضد حلفاء العدو الصهيوني ، وأصحاب الفتنة الطائفية وتجار الحروب في لبنان ، أنه كان يستهتر بجراحه الكثيرة التي أصيب بها في المعارك المتنوعة بتحدي ، كان يدرك أن هدف هذا الإقتتال هو إبعاد المقاتلين عن ساحة الصراع ضد العدو الصهيوني ، فكان يتحيّن الفرص في دوريات تواجه العدو الصهيوني , في ظل إنشغال الثورة الفلسطينية بمعارك جانبية جعل من أولوياته قتال العدو الصهيوني ، الشهيد علي أبو طوق كان في ذهنه هاجس واحد كيف يمكن تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني ؟؟ كيف يمكن توحيد جهد كل القوى المؤمنة بالقتال ضد العدو الصهيوني ؟؟ كان هدفه واضحا ضد العدو الصهيوني .
في عام 1983 كان في طرابلس تحت الحصار ، إستدعى الأخوة المناضلين من كل لبنان ورتب معهم خطط عمل ضد العدو الصهيوني ، نقل الأسلحة والذخائر من شمال لبنان إلى الجنوب ، كان يدرك أن الثورة تسترجع عافيتها عبر الصراع ضد العدو الصهيوني ، شارك بتأسيس نواة المجموعات القتالية والخلايا السرية المسلحة في مناطق صور وصيدا والنبطية ، وشكل مجموعات في كل لبنان من مقاتلين لبنانيون وفلسطينيون ، وقام بقيادة عدة عمليات ناجحة ضد العدو الصهيوني .
علي أبو طوق ….. إرتقى شهيد ا في مخيم شاتيلا بعد نضال طويل من القتال والتشرد من أجل قضية آمن بها ، وإستشهد من إجلها ، وكان يحلم بالنصر والإستقلال في وطن حر من رجس العدو الصهيوني , إن شهدائنا اليوم يتطلعون إلى بزوغ فجر تشرق فيه شمس فلسطين ، ويودون لو يكونوا معكم في كفاحكم المجيد من أجل إستعادة الحرية والإستقلال والعودة ، ويوجهون تحية لكل الثائرين في كافة أصقاع الوطن العربي الكبير وإلى كل أحرار العالم ، الذين يجسدون المعاني الكفاحية في النضال من أجل تحرير الأرض الفلسطينية من رجس الإحتلال الصهيوني .
بقلم الكاتب جمال ايوب