كل غاز وانتم بخير
وكالة الناس – جروان المعاني
المجتمعات تسير بحركة تراتبية نتيجة لمؤثرات متعددة بعضها داخلي يرتبط بشكل القيم والمعتقدات التي تعيشها، والبعض الاخر يأتي بفعل عوامل كونية خارجية أو نتيجة لغزو فكري واقتصادي تستباح فيه كل مقومات المجتمع بحيث يصبح من المستحيل ضبط هذه المتغيرات، والعالم العربي عموما مصاب بالهشاشة وقد نخرته قوى طاغية ظالمة فتت كل مكوناته، ولعل السنوات الاخيرة تسارعت وتيرة التغيرات توافقا مع وتيرة الاحتلالات والثورات وتغير قادة المنطقة.
كانت نهاية العام المنصرم صادمة اخلاقيا لنا كأردنيين، فلمصلحة من يتم تداول فيديو يمس قلب المعتقد المجتمعي المتمثل بالستر الكذاب، ثم تأتي الدولة وترفع اسعار المحروقات تزامنا مع قدوم الغاز المسروق من دولة الاحتلال، لنكلل عامنا الجديد بمزيد من العناء الاقتصادي واعطاء العدو فرصة اكبر للتحكم بنا وبقيمنا المهترئة اصلاً نتيجة لتخلينا عن ابسط عاداتنا وتقاليدنا.
تكاد امتدادات الثورات العربية تدخل كل بيت في الاردن، حيث اختلط السكان وتضخمت المدن وانعدمت فرص الانتاج وغزت الهواتف النقالة ايدي اطفالنا وقلت فرص المراقبة عليهم، وفقدت المدارس قوتها في تربية الاجيال وتناقضت تصرفاتنا حتى بتنا غرباء عن دواخلنا واختلت كل مقوماتنا، وصارت الدولة تسبح في وادي غير وادي الشعب، والشعب لا هادي له حيث منطق العسكر اقوى بكثير من منطق المفكر فعشعش الخوف من الخراب وزادت اعداد المتعطلين عن العمل وفقدت الارض عطاءها بسبب اهمالنا لها فلا قمح ولا شعير فقط استيراد دونما تصدير.
على مؤسسات الدولة الاردنية ان تتطور لتناسب المتغيرات التي طرأت على المجتمع الاردني الذي تحول من مجتمع بسيط التركيب ثقافيا الى مجتمع متعدد الثقافات، فصار الاردني ضحية لسوء السياسات وكثرة التداخلات، فالفقر اذا التقى مع الزيادة غير المنضبطة في عدد السكان انهارت الاخلاق والقيم، وصار الحديث عنها ضربا من الترف الفكري.
ان التصادم الحضاري أمر حتمي وبما ان الاعلام بات عنصر اساسي في حياة الامم فقد استطاعت الصهيونية في صراعها معنا أن تتغلب علينا بكل سهولة، فقد نشروا الصورة الثابتة والمتحركة كيفما ارادوا ونحن اكتفينا بالكلام عنها بين مؤيد ورافض، وامتلكت الصهيونية كل مقومات نجاحها من اخلاص القائمين عليها وتخطيطهم العلمي، ونحن اكتفينا بردود فعل باردة من شجب واستنكار(قديما)؛ مع اننا كنا نمتلك شيئا من القوة لو تم تفعيلها لاختلفت الامور لكن الله ابتلانا بقادة تم تنعيجهم بل يعلنون ولائهم واعجابهم بل وتعاوناً معهم ضد بعضنا، وكانت البداية بتآمرنا على فلسطين ثم العراق وصولا الى اليمن وليبيا.
قد يقول قائل انني اتناقض فحيناً اتحدث عن الاردن منغلقا ومرة اتحدث عن العالم العربي ككل وهو محق في ذلك لولا أني اعلم تماما ان هذا المقال سيصل لكل بقاع الارض، فقد غدا العالم كله يرى بعضه ويؤثر ويتأثر، وما عادت الاردن من العقبة الى قرية عقربا فقط بل ان حدوده الافتراضية تصل الى استراليا وجنوب افريقيا ومنذ سنوات كتبنا انتبهوا فالعالم يتغير، واليوم ابدا لا يشبه الامس.
والحديث يطول ولا نملك الا القول كل غاز وانتم بخير.!