صيوان صحي أمريكي يوقف مقاومة غزة ؟!
ونحن في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الاولى انبل ثورة شعبية في التاريخ المعاصر، واول ثورة تحمل هذا الاسم، واطول مقاومة سلمية تمتد ست سنوات متتالية، نستذكر ان العقل المدبر والمخطط والصانع لها الشهيد الراحل ابو جهاد، الذي اكد بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان في العام 1982 أن اللقاء مع المحتلين سوف يكون في فلسطين وهو يجيب على سؤال ماذا بعد، اي ان النضال سوف ينتقل الى داخل الوطن المحتل، وهذا ما حصل.
أفرزت الانتفاضة الاولى الحركات المقاومة الاسلامية، التي مارست نضالا استشهاديا وسلكت مسارا كفاحيا متشددا جدا ضد الاحتلال الصهيوني، استمر حتى العام 2007، ثم هدأ هذا النوع من النضال والكفاح الى ان توقف بالكامل بعد ذلك العام، ومنعت القوة الرئيسية في قطاع غزة الفصائل والحركات الاخرى من القيام بأية اعمال نضالية وكفاحية ضد الاحتلال الصهيوني، واقتصرت المقاومة فيما بعد على التصدي للهجمات والاجتياحات العسكرية الاسرائيلية للقطاع.
صمت وسكوت النضال العسكري والكفاح المسلح في القطاع، يشير الى تغليب الحلول السياسية المنفصلة والمنعزلة عن الضفة الغربية، والقبول بدويلة فلسطينية في قطاع غزة تحت السيطرة والوصاية الاجنبية، شرايين حياتها خارجية ومفاتيحها في جيوب الاحتلال، واول الدلائل التي تؤكد على انخراط فصائل وحركات النضال المتشدد والمؤدلج في مسارات سياسية على حساب القضية الوطنية، الموافقة على اقامة مركز صحي امريكي على حافة غزة، عبارة عن صيوان صحي او بيت بلاستيكي صحي، رغم كل الجرائم الامريكية التاريخية وتلك التي ارتكبتها الادارة الامريكية حديثا، ورغم المقاطعة الفلسطينية الشاملة للادارة الامريكية.
التطورات المتسارعة في الشطر الجنوبي من الوطن الفلسطيني، ربما تؤشر الى ان القوة الرئيسية في المقاومة التي كانت يوما في القطاع، خلعت ثياب المقاومة والقت بالاحزمة والسلاح وسط الطريق ودفنت البسطار ومشت حافية، ونتمنى ان لا تسير في النهاية عارية اذا اعترفت بيهودا والسامرة، واكملت استدارتها الهدّامة المدمرة.
من الذي يرسم الادوار يا ترى ويحدد مواعيدها ومواقيتها، ويلزم المنفذين بدقة التطبيق والتنفيذ، وكيف يمكن للشعب الفلسطيني ان يثق ببعض الحركات والقيادات بعد كل هذا الخذلان والتراجع والانبطاح.
الا يتذكر هؤلاء آلاف الشهداء والجرحى والمنازل التي تهدمت بفعل القصف الصهيوني المجنون، والاسر التي ابيدت بالكامل ولم ينج منها احد، الا يتذكرون الشعب الاردني عندما اكتفى في احد الاعياد بتقديم التمر اثناء الزيارات والمعايدات، والتمر يقدم في بيوت العزا، اي ان الوطن الاردني في ذلك العيد كان بيت عزا كبيرا تضامنا مع الاهل في قطاع غزة وحدادا على الشهداء والجرحى، الذين ارتقوا واصيبوا جرّاء العدوان الاسرائيلي آنذاك.
اين هم من كل هذه التضحيات، وكيف يتم الارتماء من اعلى الشجرة الى ظلها بهذه البساطة، مقابل وعود سياسية فاقدة للشرعية وغير قانونية ومرفوضة شعبيا ورسميا على الصعيد الفلسطيني، ولا يمكن تسويقها عربيا واسلاميا ودوليا.
امطار ورياح الشتاء الحالي سوف تكشف الكثير من الخفايا غير المعلنة، التي قد تجعله شتاء ساخنا، ربما يغرق في سيوله كثيرون لا يجيدون السباحة السياسية والوطنية. كمال زكارنة