الأردن يسرقهم ويضطهدهم!
كنت عائدا إلى عمان وعلى ميمنة الطائرة كلام سياسي اهتز له الجناح، وبجانبي أخ من سورية يقيم خارج الأردن، وجاء زائرا الى الأردن واللغة بيننا تفيض بالتعابير الحساسة.
يعتقد أن الأردن يتكسّب على ظهر السوريين ويجمع المال باسمهم، وفيضه هذا يقال-للأسف- وهو قادم للاردن المتهم بنظره، مصرا على أن هذا هو انطباع كل السوريين في الأردن والمغتربات!.
لا ُيفرق ولايفرّقون بين مساعدة الخزينة لتغطية تعليم وعلاج السوريين، وبين ما يتم دفعه مباشرة من الدول والجمعيات للسوريين هنا.
تشرح له مثنى وثلاث ورباع، أنه لا..سرقة للمساعدات، بل على العكس هناك تأثيرات عميقة لقدوم السوريين الى الاردن، فلا يسمع ولا يصدق ويعتبر أن هذا «موسم قمح» في الأردن.
في السفر تلتقي سوريين كثر، أغلبهم غاضب على دول الجوار، لأن معاملة السوريين -وفقا لمنطوقهم- غير لائقة، ولأن المساعدات يتم تكديسها في خزائن هذه الدول ودفع القليل منها للسوريين، والمبالغ المدفوعة لا تأتي معاجنهم بالخبز!.
ثم هناك لوم مباشر على تسمية الشقيق السوري بـ»اللاجئ» معتبرين ان هذه تسمية معيبة، وعند ارتفاع ستة وثلاثين الف قدم تجيب بصدق، فتعبير اللاجئ تعبير قانوني دولي، لايقال من باب مس الكرامة، فالسوري اذا ترك دمشق وارتحل الى اللاذقية، فهو وفقا للقانون الدولي «لاجئ» ولهذا يحسب العالم اعداد المرتحلين في سورية في سياق اعتبارهم لاجئين داخل بلدهم.
لا نساوي هنا بين حرب أهلية واحتلال، لكننا في المحصلة نروي القصة من باب تعريفات القانون الدولي، التي لا تفرق بين لاجئ بسبب الاحتلال او الحرب الاهلية او المجاعة او الزلازل والكوارث الطبيعية او جراء الملاحقة السياسية والامنية.
يشعر السوريون بتحسس شديد من معاملة العرب لهم، ويقولون اننا استقبلنا مليوني عراقي بعد عام الفين وثلاثة، لكنهم وقفوا لنا بالرشاشات حين حاول السوريون اللجوء الى العراق، ولأن وجدان السوري مجروح جراء فقدانه بيته وغرق سورية في الدم، فهو لايحتمل ابدا، اي معاملة قد يعتبرها غير لائقة.
تشرح لكثيرين ان اللوم على دول الجوار وغيرها من دول مفهوم في تعامل الاتراك والعراقيين والمصريين مع السوريين غير ان الاردنيين واللبنانيين تصرفوا بشكل لائق فأغلب السوريين موجودون في المدن الاردنية واللبنانية ونفر قليل في المخيمات.
في المطار يصطف القادمون السوريون الى عمان عند مكتب خاص، ليقرر دخول فلان ومنع فلان، والاردن وضع معايير جديدة للدخول منها منع السوري اللاجئ الى تركيا مثلا، من تركها والقدوم الى الاردن، فما دامت تركيا تحتضنه كمهاجر او ضيف او لاجئ، فلماذا ينتقل الى بيئة اخرى منهكة اساسا لاتحتمل من فيها؟!.
لابد من اشهار الاردن لمعاييره حتى لا يتورط سوريون بالقدوم ثم يتم ردهم عبر المراكز الحدودية، فهذه حالة اشبه باليانصيب او لعبة من العاب الحظ.
السوريون في مغترباتهم يعتقدون ان الاردن يستثمر ازمتهم ومحنتهم لجمع المال، فتشرح لهم أن الانطباع قائم على المبالغة، فالاردن فقير جدا، والماء الذي فيه لا يكفي أهله، واقتصاده يترنح، والضغط على البنى التحتية واضح كما الشمس.
الشقيق السوري انتزع فرصة العمل من الأردني بنصف راتبه الأساس، واستأجر البيت من الاردني بضعف قيمته، ومدن كاملة اختلت ديموغرافيا بحيث باتت اغلبيتها من الإخوة السوريين، ولم نسمع عن اردني واحد اعتدى على سوري او على بيته لاسمح الله.
ما الذي يمكن ان يقدمه الاردن اكثر من ذلك؟! ولماذا يبقى محلا للشكوى والتذمر والشك والارتياب والملامة ايضا، فهو لايرضي احدا على ما يبدو؟!.
لابد هنا من بيان رسمي يشرح تفصيليا وبشكل مقنع حجم التدفقات المالية والعينية الى الاردن وطريقة الانفاق ولابأس من اعداد وثيقة رسمية في هذا الصدد، بدلا من ظن السوريين أن الأردن يسرقهم ويضطهدهم في المطارات والحدود.
كثيرا ما روى عاملون عرب في مجال الاغاثة ان الاشقاء السوريين يتوعدون الاردن امامهم لأنه يهينهم، فتأسف لأن اللجوء بحد ذاته امر مؤلم، ولم يسمع احد عن لجوء من فئة خمس نجوم في هذا العالم.
هم اهلنا ودمنا ودمهم واحد، ويعزون علينا، ولا يهينهم إلا لئيم، غير ان هناك مبالغات كثيرة، لايقبلها المرء، ويكفينا ان نسمع تعليقات من بين بعض الناس هنا، يتمنون ان يتحوّلوا الى لاجئين سوريين في بلدهم كي يعيشوا جيدا، وفي هذا التعبير تكثيف مؤلم جدا، يقول إن الاردني يعاني بشدة، فلا تحمّلوه فوق طاقته، ولا تجعلوه ايضا ملاما فوق ماهو فيه.
أعانهم الله على ماهم فيه، وأعاننا الله على ما نحن فيه أيضا!