خيار وفقوس المجلس
مظلومة معي أم يزن … فأنا ما زلت أصُرّ على متابعة أخبار الثامنة على التلفزيون الأردني، والتي قطعها المذيع بالأمس على غرار (جائنا الآن ما يلي) ليتبين انهم سينتقلون بنا في بث حي ومباشر إلى مبنى مجلس الأمة لنقل التصويت على موازنة 2014.
وللأمانة، القبة أعرفها كمهندس لطالما أعُجِب بتصميمها، إلى أن قادتني الظروف للوقوف أسفلها وكانت فارغة، وكان ذلك بصحبة مديري آنذاك المهندس هاني حقي (أبو إبراهيم) أطال الله بعمره، حيث أختارني كرئيس لدائرة تصميم في شركة سيجما للعمل على مشروع توسعة مباني المجلس. ولا انكر باني شعرت بأننا في مكان مهم حيث يجلس ممثلي الشعب ليشرّعوا لنا القوانين ويراقبوا أداء الحكومات.
القبة بالأمس كانت غير شكل وهي مشغولة بمناقشة النواب لموازنة الدولة، ولا ادري ما الذي دعاني لإستذكار وقفتي مع أبو إبراهيم عند مشاهدتي للنواب مُشغِلين الكراسي التي صُمّمت لراحتهم ولا أظنها كانت كذلك لأني شاهدت مجلساً منقسماَ كما وصفه رئيسه عدة مرات (معنا ومش معنا).
لقد تعلمت بالأمس بأن من حق رئيس المجلس أن يختار طريقة التصويت على الموازنة لأن النظام الداخلي (المُعدل حديثاً) يعطيه هذا الحق، فإختار المهندس عاطف الطروانة طريقة التصويت برفع الأيدي (ولو إنها متعبة) واستغنى عن التصويت الإلكتروني كما هو الحال في ديمقراطيات العالم المتحضر، وصرت اضرب أخماساً بأسداس متسائلاً: ليش عمل هيك يا ترى؟ أم يزن من جانبي ضحكت وقالت: حتى تشتغل الحركات، أهملت تعليقها واظهرت اني غاوي سياسة وفاهم للأرقام، وتابعت الجلسة كأني بينهم.
كنت اعتقد بأن التصويت على الموازنة يكون (قلم قايم) إلا أن مقررة اللجنة إختارت التصويت عليها بنداً بنداً على أساس القاعدة الشرعية (ما في شيء مخبى) والناس من حقها ان تعرف.
الغريب أن أول تصويت برفع الأيدي قد جاء بثمانية وخمسين صوتاَ من أصل 102 حضور، بمعنى أكثر من نصف الحاضرين بقليل، واستمر على هذا الحال بتذبذب من 51 حتى 58 صوتاَ. والغريب أيضاً بأن سعادة رئيس الجلسة يعد بالنظر الى الحضور المبعثر ويقدر بأن قرار المجلس (موافقة) ولا داعي للعد الفردي.
عظيمة هي ذاكرة ما قبل الألزهايمر، تسترجع المقطع المناسب للحدث من مخزون الماضي، فقد تجسد أبو قاسم بياع الخيار أمامي من مسلسل (صح النوم) خالها لفطوم حيص بيص، بتعرفوه، ووقف مناديا، أصابيع البوبو يا خيار. بالمناسبة، جُودة خيار زمان كانت تقاس بصغر حجم الحبة وليس مثل خيار أيامنا هذه، ما علينا، أبو قاسم كان يتحدى بأنه يعرف كم خيارة على العرباية بالنظر وبدون عد. مقدرة عجيبة على الرغم من أن الحبة صغيرة.
سعادة رئيس مجلسنا الموقر، كرر أكثر من مرة بانه ليس بحاجة للعد وأنه أصبح معروفاً (مين معنا ومين ضدنا) نعم بهذه العبارات كان يقود سعادته الجلسة والتي يتقرر بموجبها الصرف من الموازنة المثقلة بالديون. لا أدري من أعطاه الحق بأن يصنف النواب الى خيار وفقوس، وأن يعدهم بالنظر ويقرر بأنه أصبح معروفاً من معنا ومن ليس معنا، وهل يجوز لرئيس المجلس أن ينحاز لمجموعة، ألم يقل بأنه رئيس للجميع بعد أن تم إنتخابه رئيساً للمجلس بالتوافق مع عبد الكريم الدغمي الذي افتقدناه في جلسة الأمس، لماذا؟
جلسة الأمس جعلتني اشفق على من لم ترتفع ايديهم بالموافقة وهم نواب محترمون عندهم وجهة نظر وعلى الأقل أصبحوا معروفين بمواقفهم على الخلاف ممن كانت اياديهم ترتفع بداعي وبدون داعي، فكيف لشخص ممن (معهم) أن يصوت على البند السادس بنعم، فتكون النتيجة 57 صوت، وان لا يرفع يده عند البند السابع لتكون النتيجة 56 صوت، فهل هو او هي ضد هذا البند أو غفل عن رفع اليد بعض الوقت. وبالنتيجة يعود الشخص نفسه ليصوت على القانون بمجملة بنعم.
الشيء الآخر الذي تعلمته بالأمس هو أن هناك موازنتين وفيها أيضاً خيار وفقوس، الأولى للموازنة العامة للوزارات والجيش والديوان الملكي، والثانية للمؤسسات المستقلة وبنفس الحجم تقريباً. مصدر استغرابي هو أن الموازنة الأولى كانت موزعة مطبوعة على النواب ويتبّعون مع مقررة اللجنة المالية سطر بسطر، أما الموازنة الثانية فلم تكن في متناول النواب. ولاحظ المتابعون بأنه جرى توزيعها اثناء التصويت وعلى الرغم من أن النسخ كانت مصورة جاهزة عند الأمانة العامة، فكيف للنائب ان يلحق يقرأها على عجالة.
ان تزامن عدم توزيع موازنة الهيئات المستقلة على النواب وقطع التلفزيون الآردني للنقل المباشر عند هذه اللحظة التي بدأت فيها المقررة بتلاوة بنود موازنة الدولة الثانية، اشعرني أنا المواطن الاردني بأن الموضوع في (إن) وأن هناك خيار وفقوس بين النواب وبين موازنة الحكومة والهيئات المستقلة.
كما أني تعلمت بالأمس من النائب خليل عطية بأن الدستور هو الأسمى بين القوانين، وانه لا يجوز صرف (أي مبلغ) بدون قانون، آملا أن لا تستغل الحكومة التفويض المعطى لها بقانون موازنة 2014 من قبل ثلث أعضاء المجلس تقريبا وعدم وموافقة الثلثين (حضور وغياب) بصرف المنحة الخليجية في غير مكانها، لأننا محتاجين لإستعادة ثقة المانحين على اساس أننا دولة تستحق الدعم.