0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

رسائلي إليها

أنا منذ أطل الفراق، يا أماه تبدلت ذاتي،رشفت منذ ذلك الصباح آخر فنجان قهوة، وعندما رن الهاتف، شعرت أنه لا يتوجب أن أرد عليه!إنها ولابد مكالمة ملغومة!

 كنت الى أبعد حد أعرف ما وراءها،إنه أخي يتصل من المشفى، على غير عادته،دائما كنت أُعَنِفُهُ، لأنه لم يتصل ليطمئنني أولا بأول.

 

 ولكنني هذه المرة،أحببت أن ينساني، أحببت أن لا اسمع هاتفا يرن، قبلها بقليل كنت أنهيت الإفطار بمعية أبي، وكان منبسطا في الحديث على غير عادته،

نعم !فلقد كنا نأمل أن تعودي من المشفى،بصحة جيدة،وكنا نتهيأ للذهاب إليك هناك !

 

في تلك اللحظة فقط،كنت مسرورا لان أحدهم سرق هاتفي، ولا أريد أن أسمع أي رنين للهاتف اليوم،ولكن أخي عصام  سامحه الله لم يَنسَ أن لزوجتي هاتف.

أشارت لي  وقالت (عصام) كان للهاتف صخبا وزعيقا …كان رنينه نعيقا وما أن لمسته بيد ترتجف حتى ألقيته، فلم يكن فيه إلا بكاءٌ ونشيجٌ ثم قال أخي: ماتت!

 

تشبثت تلك اللحظة في ذاكرتي،وأصبحت محطة جديدة للانطلاق في مجاهل الأحزان.

مازال ذلك الصوت يتردد في مسمعي ضجيجا، ويستصحب تلك الدهشة التي اختلط الوعي فيها باللاوعي، ما زلت أرى رجفة، يرتعد لها كياني برمته،وما زلت أراني أدور في الحجرة، كأنما أريد اختراق جدرانها، ورب “يآ أمآه” انخنقت، ثم انفلتت مني في الأرجاء.

 

 وبرغم الأيام ما زالت تعاودني، إذ اكتشفت أنها حالة جديدة، لم أختبرها من قبل، حتى أنني لا استطيع أن أشبهها، بسابقةٍ لها فتكون بمثابة العزاء،كي أطمع في إنتهائها!

 

في الحقيقة أن كل التجارب الحزينة، باتت تافهة في نظري،مقارنةً بحزني عليك،ولعلي ضحكت من سخافتي، لأنني كنت أحزن يوما ما ،على شيء ما! وأنت تنعمين بالحياة وننعم بها معك!.

 

كل ألم قديم، مَرَّ بي كنت أراه ينتهي، وأراني أتغلب عليه،وأجد له حلا ولو متأخرا.

 

فما لهذا الحزن لا ينتهي؟! لماذا أراه يتجدد كلما تجدد الليل والنهار؟! لماذا أراه يتمطَى كسولا أمامي،وأنا أدفعه بيدين واهنتين،ويتشبث بي،كطفل عابث؟!.

 أرى أحزان الناس تسرع في الذهاب،وأنا إن غاب حزني قليلا، يسرع في الإياب!

كل الناس أحزانهم مواسم،وأنا حزني حالة ثابتة من الهطول، حالة من غيم متراكم لا يحمل غيثا،وحالة متلازمة من البرد،  كما هو شأن قطب الكرة الأرضية.

وضجيج ذكرياتٍ، وهدير لأنين يتعالى، يدور في الصدر صراخا مكتوما، وأشرطة مسجلة من الماضي، أراها تتعرى أمامي،ثم لا تستتر مرة أخرى، هو الحزن غدا  أهزوجة يومية، يسكن كل لحن حزين…..عن الحزن أتحدث! وعن الشوق أتحدث! عن رحيلك أمي أتحدث.