إستمرار الإنقسام يهدد الحقوق الفلسطينية بالضياع والذوبان
يبدو إن المصالحة الفلسطينية قد دخلت من جديد إلى مرحلة الموت ، فلا أمل في القريب العاجل أو بالأحرى في المدى المنظور في تحقيق هذا الهدف ، وفي هذا السياق يجب التذكير ببعض البديهيات التي يعرفها الفلسطينييون , إن العدو الصهيوني قد إستغل هذا الإنقسام الخطير الذي ضرب وحدة الشعب الفلسطيني عمودياً ، حصار غزة و رفع وتيرة الإستيطان وتهويد القدس والأقصى ، وتحويل الضفة الغربية إلى محمية صهيونية يحاصرها رعاة المستوطنين ، ويزرعون فيها الموت والدمار والإرهاب وإستباحة الأقصى لم تردم الهوة بين الأشقاء ، ولم يقض على عوامل الغربة والإنقسام والتشظي ، ولم تقنعهم بضرورة نسيان الماضي لمواجهة الإحتلال , فما هي العوامل الكفيلة إذن لتحقيق هذه المصالحة ؟؟ .
تحول الإنقسام إلى ثوابت في دنيا السياسة الفلسطينية , إن ما يحدث ليس معقولاً ولا مقبولاً ، لأن بقاء الخلافات وتجذرها يؤثر على وحدة الشعب ، ويؤدي في النهاية إلى ضرب المشروع الوطني الفلسطيني ، وفي هذا السياق فإن ما يحدث في فلسطين يبدو شيئا مغايراً لمنطق الثورات ومواجهة الإحتلال ، فتاريخ الشعوب التي إبتليت بالإحتلال والإستعمار يقوم على توحيد كافة الجبهات والأحزاب والفصائل في خندق وجسم واحد لتحرير الوطن وكنس الإحتلال ، يجب أن يدفع الفريقين إلى الإلتقاء في منتصف الطريق ، والعمل سريعاً لتحقيق المصالحة الوطنية ، وإن لم يخرج المشروع الوطني الفلسطيني من المأزق الذي وصل إليه بعد وقف المقاومة وتقزيم خيارات الشعب في المفاوضات رغم فشلها ، وبعد تبني الإدارة الأمريكية الحالية كما الإدارات المتعاقبة قد تبنت بالكامل الرؤية الصهيونية للتسوية ، وجوهرها إقامة دولة فلسطينية غير قابلة للحياة ( أي منزوعة السيادة ) وعلي أراض محتلة مقابل الإعتراف بيهودية الدولة ورغم إن العدو إستغلها لفرض الأمر الواقع .
مجمل القول إن الظروف الخطيرة والدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية ، وتشي بإمكانية تصفيتها تفرض على الطرفين فتح وحماس تحقيق المصالحة الوطنية كسبيل وحيد للجم العدوان الصهيوني، وإنقاذ المشروع الفلسطيني من المأزق الذي وصل إليه , وأي تأخير أو إلتفاف على هذا الهدف النبيل يصب في صالح العدو الصهيوني , إن حرية صناعة القرار وصدوره في إطار مؤسسي جامع هو أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، وهو أهم من مجرد تشكيل حكومة وإنتخابات تحت الاحتلال ، لأن القاسم المشترك في ذلك هو إنهاء الإحتلال والتخلص منه ، وهو برنامج لا تملك آليات إنجاحه كافة مهارات سلطة حكم ذاتي منزوعة الأسنان والأظافر و الدسم , وبالطبع فهناك إِشكاليات مرتبطة بالخلفيات الأيديولوجية والفكرية ، وبعدم وجود المظلة التمثيلية الموحدة ، وبأزمة الثقة بين أطراف المصالحة ، وبالبيئة العربية والدولية وغيرها.
الخلاصة أن العمل على ترتيب البيت الفلسطيني وترتيب أولوياته من خلال م.ت.ف ، يمثل مجالاً حقيقياً لإختبار نوايا وجدية فتح وحماس وباقي الأطراف المعنية بالمصالحة الفلسطينية ، ما الذي تبقى للشعب الفلسطيني ؟ ؟ ! المتبقي للشعب الفلسطيني هو حلماً لم يمت ولن يموت في العودة إلى وطنة ، وهذا ضمانة إن إستمرار الإنقسام بالجسم الفلسطيني الجغرافي والسياسي ، يخلق ظروفا تكون قاسية على الشعب الفلسطيني ومستقبله الوطني والسياسي، ويبدد الحقوق الفلسطينية ويهددها بالضياع والذوبان فيكفي ما يزيد عن سته سنوات من الإنقسام والمصالح الفئوية والذاتية .
كفى مراهنات على مفاوضات لا تجدي ولا تنفع ، كفى خلافات على طبيعة الدولة الفلسطينية أو غيرها من الحلول التي يلوح بها البعض ، فهذا الكيان لا ينظر إلى حلولا عادلة أو منقوصة ، فهو يرى فقط إندثار الشعب الفلسطيني وإختفائه عن الخارطة ، وإن الحل بالرؤية الصهيونية لا شعبا إسمه الشعب الفلسطيني ، ولا حق العودة ولا الدولة ولا تقرير المصير، ولا إن القدس مدينة إسلامية وعربية.
أعتقد إن هذه الأسباب يجب أن تكون كافية وتعتبر عامل أساسي من عوامل الأسراع لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الإنقسام الفلسطيني ، أما غير ذلك وأعني به إستمرار الإنقسام وعدم إنجاز الوحدة سيقود الشعب الفلسطيني وقيادته إلى مزيد من الانتكاسات والهزائم ، إن شرط من شروط الإنتصار هو إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس وقواعد تضمن لكل الشعب الفلسطيني بكافة قواه المشاركة بمسيرة التحرير والنضال ، إن تجارب الشعوب وإنتصار ثوراتها بعملية التحرير لم تنجز بدون وحدة القوى وإشراك الجماهير بالمعركة ، وهذه يجب أن تعكس نفسها على الشعب الفلسطيني ، رغم صعوبة معركته وطبيعة عدوه.
أنا متفائل من إمكانية إتمام المصالحة الفلسطينية في حال توفرت الإرادة لدى حركة حماس .
بقلم الكاتب جمال أيوب.