"داووا جُـرحَكـم قبـل أن يتَّسـع"
((بســم الله الرحمـن الرحيــم))
“داووا جُـرحَكـم قبـل أن يتَّسـع”
بقلم: الأستـاذ عبد الكريــم فضلـــو العــــزام
نِـداء صارخ من كُـل الغَيارى على الأردن وشعبِـه إلى السُّلطات الثَّلاثـة: التشريعية والتنفيذية والقضائية بعد أن أصبحنا وأصبـح الشعـب الأردني يستشعـر مقـدار الخطر على أمننا الاجتماعي من مختلف جوانِبه؛ خطــر تعـدّدت مكامِنـه ومصادِره، ولكنَّني سأتعرَّض في حديثي هذا للجانِـب الأهـم وهو “جانب الأمن والأمان”؛ هذا الجانـب الذي كان وما زال مصدر فخـرنا واعتزازنا في هذا البلـد؛ إلا أنَّ المعطيات والشواهِـد في السَّنوات الأخيـرة باتت تقـود إلى نتائِـج بـدأت تَهُــز الأمـن وتُـنـذِر بِخَلخَـلتـِـه، مِمّـا يستدعي وقفـة حازمـة من كُـل فَـرد في المجتمـع.
أخـي القـارئ:
إن المُتابع والقارِئ لما يُنشـر عن عَـدد الجَّـرائِـم والجُنَـح في وطنِنـا العَـزيـز تَـرتعِـد فرائِـصُـه لارتفاع معدَّلاتها ومِقدار ما تُـلحق من ضَـرر بالوطـن والمُواطـن وبالأسـرة والمجتمع ولعـل ما سأورده من أمثلــة أكبـر دليـل على الاستهتـار والتطاول على هيبـة الدولـة وسلطـة القانـون فمثـلاً:
أ- متى كانت جامِعاتنـا مسـرحاً للجانِحيـن والقتلـة يصُولـون فيهـا ويجُـولـون دون حسيب أو رقيب؟، ومتى كانـت الجامِعات مُنطلقـات لِحـرب البسُـوس وحَـرب داحِـس والغَبـراء؟ وما هي إجراءت الجَّـامعات والتعليـم العالي والسلطات الثـلاث في كَـبـح جِمـاح هذا الـداء القاتِـل والمُعـدي الذي ينتشـر ضرره إلى خارج حـدود الوطـن.
ب- متى كان المجرمون وأصحاب السَّـوابق والأشخاص الذين تُسـوِّل لهم أنفسهـم الانحراف والخروج على القانـون بهـذه الجُـرأة لإلحـاق الأذى ونشر الخَـوف والرُّعب بين النـاس؟
ولعل الأمثلـة على الجَّـرائِـم البشِعـة وتزايـد أعدادها كثيرة أذكُـر منها:
1- طالبـة جامِعيـة تذهب للدراسة فيقتُلها سارق يطمع بحقيبتها التي قد لا تحتوي أكثر من خمسـة دنانيـر.
2- أشخاص من الدرك يذهبـون في مهمة أمنية للقبض على سارق فيقوم أخ السارق بالانقضاض على دركي ويطعنـه بسكيـن فيقتلـه.
3- عصابات من المتمردين تُـسيطِـر على أحياء في المدن وتجمع “الخاوات” من الدكاكين والمحلات ولا يكبـح جِماحها أحَــد.
4- المُشاجرات العشائِـرية التي لا يمُـر يَـوم إلا وتسمع عن واحِـدة أو أكثــر لا تنتهـي في الغالِـب إلا بِسُقـوط قتلى وجرحى وكأنَّنا نعـود للجاهِليـة الأولــى.
وهنا أعُــود إلى حيـث بدأت بِنِــدائي للسُّلطـات الثلاثة مُتسائِـلاً عن دورِها في مُعالجة هذا الواقِـع الذي لم نكُـن نألفـه وبات المُجتمع كُـل المُجتمع يشكُـو مِنـه ويخـاف مِـن المستقبل فأتساءَل:
*لماذا لا تجـري وزارة الداخليـة مُقارنـة بين عدد الجَّـرائم ونوعِيتها في السَّنـوات العشـر الأخيـرة لِتَـرى أنَّها بازدياد مُتسارِع ومُخيـف؟
*لماذا لا يُبادر مجلـس النواب بوضـع قوانيـن رادِعَـة تحفـظ الأمـن وتُعيـد بِنـاء المُجتمع على أسـس تَـربوية وأخلاقِيَّـة مَتينــة؟
*لماذا لا يتولَّـى السُّلطـة التنفيذيّـة كُـل قَـوي أميـن يَـغضَـب لله وللوطن والمواطن؛ يُـحِق الحق ويُـزهق الباطِـل؟
بعد سَـن القوانيـن الرَّادعة يأتي دَور القَضاء لِيَحكُـم بالحَـق فَيُـوقِع أحكامه على القتَلـة والجَّانِحيـن وليعتبِـر غيرهم بما آل إليـه من سَبقَهـم على طريـق الباطِـل.
وفي الخِتــام فإنَّـه لا بُــد مـن التَّنـويـه أنَّ هذا الواقِـع صَار يَتجاذبـه مُعسكـران:
مُعسكر يَـغار على الوطنِ وشعبِه يُريـد الأمـن بأيِّ ثَمـن بَعـد أن فشِلـت النَّظريات التربويـة المُستـوردة وتطبيقاتها على واقِعنا ولأنَّ الأمن هو أساس الدولـة وعمادُها المتيـن وأعتقِـد جازِماً أنَّ نِسبـة هذا المُعسكـر في المجتمع تتجاوز 99%.
أما المُعسكَــر الثَّاني فإنَّـه مُعسكَـر يُتاجِـر بدم الذبيـح يدعـو جهاراً نهاراً بالحِفاظِ على أرواح الجُنـاة يَتكلَّـم لُغـة غيـر لُغتِنـا وعادات غيرَ عاداتِنـا يأخُـذ قوانينـه ونظرياتـه من غير أعرافنا وتقاليدِنا وديننا متناسيا قَـول الله تعالى في محكم كتابِـه “ولكم في القصاص حيـاة يا أُلي الألباب”، وأترك للقارئ دراسـة معنى مُحكـم التنزيـل ومعنى كيـف تكُـون الحياة في القصاص. كما أنني أعتقِـد أن القُـرَّاء وكل شعبِنا العظيـم الذكي يعرف لماذا يتبنى هذا المُعسكر آراء تُخالِـف مَطالب النَّاس؛ فلربما في ذلك مغانـم شخصيـة قنصها البعض ويطمح إليها التابعون منهم حتى لو ذهب الناس في داهية.
ولكن السؤال المحيِّــر كيف يستطيع مُعسكر يمثل أقل من 1 % أن يَـفـرِضَ رأيَــه على الشَّـعـب كُـلـه تقريباً فيعلــق عقوبـة الإعدام ويُشـرِّعُ وفـق هوى النفس ونزغات الشيطان وتوجهات الغيـر فهل هذه هي الديمقراطية؟
الكاتـب: الأستـاذ عبدالكريـم فضلــو العـــزام