عاجل
0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

عباءة وقهوة

دعاني صديقٌ يوماً إلى مرافقته لحل مشكلة لرجل لا أعرفه، كان قد لجأ إليه، وفهمت بأنني ومن دعاهم، مجرد مرافقين له،وأنه من سيدير دفة الحوار، وينهي الإشكال ، وقبل الانطلاق إلى الهدف، نحى بي جانبا،وقادني إلى سيارته، ثم أخرج منها، (عباءةً وحطةً وعقالاً) وقال: ارتد هذه….. قلت :لم؟!…. قال: هكذا حتى يهابنا،المضيف ويلبي حاجتنا التي نريد.

اعتذرت! وقلت: اعذرني فلست معتادا على ارتدائها، وسيعيننا الله على الرجل ويلبي حاجتنا،إن قضى الله بها.

لم يعجبه ردي، ولكنه استسلم لشدة رفضي، عرض على آخر ما عرضه علي فرفض، فاستنكف ولم يعرض على أحد سواه، وألقى ما في يده في السيارة وانطلقنا ولما وصلنا إلى بغيتنا، تلقانا المضيف بالترحيب، وأنزلنا في مجلس أرضي مفرش


كانت حاجتنا إتمام زواج فتاة مخطوبة إلى عريسها، بعد أن خطر للأب أن يفسخ خطبتها، ولم تكن البنت ولا خطيبها يقبلان بالفسخ، فكانت الغاية إقناع الأب بعدم فسخ العقد،والقبول بإتمام الزواج.

جلسنا،  وانتظر صديقي أن يأتوا بالقهوة، ليضع الفنجان أمامه، ولا يشربه حتى يجاب إلى ما يطلبه، لكن القوم لم يأتوا بقهوة وبقينا سكوتا، ردحا من الوقت، كان يتخلله بين الفينة والأخرى، مساكم الله بالخير ، ثم صمت مطبق،أهلا وسهلا، كيف الحال، يا حيالله بالضيوف،ثم سكون ممل….، وكأن المضيف قد تعمد، أن لا يقدم القهوة حتى لا يحرجه أحد، فهو يعلم سبب قدومنا.

وفجأة أطل أحد أبنائه (بصينية شاي)  والشاي ليس كالقهوة، ومن الطبيعي أن تضع كوب الشاي أمامك لتتناوله على فترات، لكن صديقي “الفهيم” ظن بأن مضيفنا، سيسأله لم وضعت الكوب أمامك، ويطلب منه أن يشربه! فيمتنع! فيطلب ما يريد،ولكن هذا لا يحصل على الأغلب فقد لا  يتنبه الرجل مهما مكثت الأكواب أمامنا، لهذا عملت بالبديهي وأحد الرفقاء بجانبي، وبدأنا بشرب الشاي بشكل اعتيادي،ولكن صديقنا نكز أحد الرفقاء بجانبه، وأشار الينا وتمتم، ثم تناقل الصحب النكز والتمتمة، حتى وصل إلينا، ففهمنا بأنه غاضب لشربنا الشاي،أمسكت وجاري عن الشاي، واستغربت كيف سيحل مشكلة، من يفكر بهذه الطريقة ليفتتح الكلام، ولم يتنبه المضيف أبدا ولم يكن ليتنبه، لموضوع الشاي،لذلك فقد برد الشاي وخسرناه.


هنا افتتح صديقي الكلام،وبدأ بخطبة وعظية،ثم دخل في المسألة،لكن الرجل امتنع عن إجابتنا،ومن خلال رده على كلام صديقي، فهمت بأنه رجل بسيط، وأن هناك  ضغطا مورس عليه، من إخوة لها، وفهمت بأن الفتاة تريد الشاب، إذ لم يشر إلى رفضها مطلقا، فضلا عن تأكيد الشاب لنا مسبقا بأنها تريده.


حاول به صديقنا وحاول ولم يفلح في تغيير رأيه، وهنا تدخلت، قلت :يا رجل نحن قدمنا إليك ولم نأت في التوسط بما هو مستحيل، وأنت إلى الآن ترفض أمرا ليس من حقك، فالبنت معقود عليها للأخ،ولم تخبرنا الى الآن أنها لا تريده،فإن أتيت بها وقالت لا اريده، كان رأينا من رأيك ورأيها وطالبناه معكما بفسخ العقد، وإن كنت تمنعها برأي أحد آخر من إخوتها فهو مالا يجوز لك ولا لهم،وإن كنت تخشى عليها فقرا لأن أخانا فقير، فقد زوجته وأنت تعلم حاله،وقد كنا أفقر منه وأغنانا الله من فضله،وقد فاتك الاستدراك بعد كتب الكتاب….فإما تعطيه إياها وإما أن يفعلا شيئا يجر القطيعة بينك وبين ابنتك.

 فهم الرجل أنني أوحي إليه بأن ابنته ربما تهرب مع خطيبها ويتمان الزواج رغما عنه، فظهر على الرجل التراجع فورا وأبدى لينا في الرد،فهو يعلم ان ابنته تريد الشاب بشدة، ثم قال أمهلوني أسبوعا أفكر،ولما رأى الصحب منه لينا، تكالبوا عليه، حتى أخذنا موعدا أن يتم الزواج بعد أسبوع، كما هو مخطط له سلفا، فوافق الرجل ومضينا، بوعد جازم أن يتم الزواج في الاسبوع التالي.

عند نزولنا من البيت، وقبل أن نركب في السيارات، قال أحد الصحب لي: جزاك الله خيرا فقد حللت العقدة، ببضع كلمات، فعاجله فورا صديقنا القائد قائلا : ماذا؟! والله عندما تكلم، كنت أظن أن الرجل لن يجيبنا، إلى شيء، أما رأيت قوله لكذا، فقال الأخ لا ليس صحيحا، بل الرجل لم يقل شيئا، وما استجاب الرجل إلا لكلامه، والكل رأى هذا !!

مضى وقت فسألت الصديق، بعدها ماذا حصل هل أخذ الرجل عروسه، قال: هاه في الحقيقة انقلب أبوها مرة أخرى، فبعثت إليه بفلان -وسمى رجلا  من لصوص الصدقات، ولكنه يرتدي العباءة كثيرا- فأقنعه وتم الزواج،وكأنه قصد أن يفشل مسعانا! لأن الفضل لم ينسب إليه، فبعث بمن سماه، حتى ولو كان لصا بعباءة.


هناك أناس مهما اشتريت مودتهم، فكأنما تضارب في سوق كاسدة،أو تحرث في وحل آسن،أو تطلب لبنا من نعجة عقيم، أو بيضا من ديك… حتى الديك يقال أنه يبيض مرة واحدة، في حياته، وبرغم أعتقادي أنها “اسطورة” إلا أنني أصدق بيضة الديك مرة واحدة، ولا أصدق أن مفطورا على المكر، يستطيع يوما أن لا يتلوى كأفعى ولو لمرة واحدة،وألا يتسلل كعقرب، فيعلن عن مجيئه، بصوت مسموع!.

يستطيع الماكر أن يقنعك، بوده الخالص مرة،فالماكر غالبا مجرد من المشاعر، ويستطيع افتعالها،فالمشاعر لا تأتي اعتباطا، ومن يملكها، لا يستطيع إفرازها،من غير مؤثرات، أما الماكر الذي لا يملكها، فيستطيع تقمصها، كيف لا وهو يحيا دوما على التقمص، قد يأتيك بصوف الحمل،وفي داخله ذئب متربص،وقد يأتيك بثوب ملائكي،وفي صدره سرداب يسكنه شيطان،ولكنه لا يستطيع أن يمنع، فلتات تخرج منه،تظهر كيده،وتكشف ستره .


كثيرا ما يدخل “أهل الوساطات” من أمثال صاحبنا في حل المشاكل،والغاية أن ينسب لهم، الحل والعقد، وكثير من هؤلاء،  يُأزمون المواقف أحيانا، إذ يفتقرون إلى التسديد، لأنهم لم يخلصوا النية أن يكون الإصلاح لله، ولدرء الفتنة،وكثير منهم يعومون الإصلاح، بجمع الطرفين دون إثبات الحقوق لأصحابها! وكثير منهم يظن أن “العباءة والقهوة” معابر، لابد منها للوصول، إلى الغايات،وكثير منهم معتاد على تصعيد الأمور بإخفاقاته، عندما يهتم فقط، إلى من ينسب الفضل، فلا يحب أحيانا، أن تحل العُقَدُ إلا على يديه، وفي المكان الذي يختاره، فيفسد الإصلاح،  نكاية بمن تدخلوا، وقد يزرع الإشكالات  حتى يفشل غيره، ويقوم هو بمحاولات الإنقاذ،كم من بيوت خربها أمثال صاحبنا، بتلك الطريقة، وكم من نزاعات أججها، أمثاله بفكر العباءة والقهوة،والصيت،وأحيانا بالميل للطرف الأكثر نفعاً.