0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

المحطة التالية في رحلة الاستدارة التركية

“لا شيء نعتذر عنه، ولا شيء تغير في مواقف تركيا، الإقليم هو الذي تغير”، على النحو المغرق في “حالة الإنكار” و”المكابرة”، يرد السيد أحمد داود أوغلو على منتقدي السياسة الخارجية التي اختطتها في السنوات الثلاث الفائتة، ولا يؤيده في ذلك سوى رئيس حكومته رجب طيب أردوغان، وعدد من المستشارين وصغار المسؤولين الذين اعتادوا “التقافز” من حول الوزير و”التسبيح” بآيات ذكائه الاستراتيجي الوقّاد.
مع أن “حصاد” السياسة الخارجية التركية في سنيّ الربيع العربي الثلاث، كان “صفراً مربعاً”، بل وفشلاً ذريعاً لأنقرة، ولوزير خارجيته ورئيس حكومته شخصياً، حيث تحطمت أوهام زعامة الإقليم، وانتقلت أنقرة من “صفر مشاكل” مع جيرانها، إلى “صفر أصدقاء”، وامتدت عداواتها لدول وازنة (مصر) وخيّم الفتور على علاقاتها الثنائية بدول وازنة أخرى (السعودية)، فيما القطع والقطيعة، هما ما ميّزا علاقاتها مع بغداد ودمشق وبدرجة أقل مع طهران وموسكو.
متأخراً جداً، وبعد عامين قضاها صاحب “العمق الاستراتيجي” في عدّ الأيام الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد، ها هو يشرع في إحداث الاستدارة الكاملة في مواقف أنقرة وموقعها على خرائط التحالفات والمحاور في المنطقة …بدأ بموسكو التي أظهر فيها جنوحاً لجنيف 2، واستعجالاً لوقف النار، وهو الذي طالما حرّض على الحسم العسكري والتدخل الدولي واستدعاء “الناتو”، وشكك بالدبلوماسية والحلول السياسية للأزمة السورية، وفتح حدود بلاده على مصراعيها لكل المعارضات والعصابات والاستخبارات والإرهابيين من شتى أرجاء الأرض، طالما أن الهدف: إسقاط الأسد، واستكمال حلقة الزعامة التركية للمنطقة.
وأتبع ذلك بموسم حجيج تركي إلى بغداد، التي قال أردوغان في حكومتها “المذهبية” ما لم يقله مالك في الخمر، لينتهي الأمر إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات ما بين البلدين، وإلى سعي مشترك لبناء توافق حول عدد من ملفات، ومن بينها “محاربة الإرهاب” الذي طالما اتهمت أنقرة من قبل بغداد وجارتها دمشق، بأنها تغذيه وترعاه و”تشرعنه” وتحرض عليه.
لتأتي بعد ذلك المحطة الإيرانية في تحركات الوزير الخفيف، حيث يتوافق الجانبان على العمل سوياً لتحضير المسرح لجنيف 2، ويجري حديث عميق عن محاربة الإرهاب، وتعرض أنقرة تصوراتها للحكم الانتقالي في سوريا، على أمل أن يكون لها منه نصيب، بالدبلوماسية بعد ما فشلت بوسائل العنف والإكراه و”الإرهاب” … فضلا عن الترحيب باتفاق إيران مع مجموعة (5 +1) والذي كان لتركيا نصيب في التمهيد له، قبل أن تفقد السياسة التركية رشدها، وتلتحق بالخطاب الإيديولوجي – المذهبي الذي أساء لصورتها ودورها ومكانتها في المنطقة العربية على امتدادها، وأسقط “قوة النموذج الناعمة” التي طالما تميزت بها التجربة التركية، مقامرةَ بانتقال تداعيات الأزمة السورية ومفاعليها، إلى الداخل التركي وإضعاف صورة العدالة والتنمية وهيبته وشعبيته وصدقيته.
ما الذي بقي حتى تستكمل أنقرة استدارتها الكاملة في المسألة السورية؟ … البعض ينتظر إجراءات لضبط الحدود ووقف تدفق السلاح والمسلحين، والبعض الآخر ينتظر مبادرات سياسية مع المعارضة لدفعها إلى المشاركة في المؤتمر، وثمة من يقول أن إرهاصات ذلك تلوح في أفق السياسة التركية على نحو غير مسبوق، ولا تخطئه العين.
لكننا مع ذلك، لا نستبعد أن نرى الوزير التركي في دمشق، قبيل جنيف 2 أو بعده، فلا قيمة للحديث مع حلفاء النظام السوري، إن لم يتوج بحديث مباشر مع القيادة السورية ذاتها … فالعلاقات التركية مع كل الأطراف التي سبق ذكرها، لن تستقيم ما لم تصل آثارها إلى دمشق والضاحية الجنوبية.
الإقليم تغير منذ “الكيماوي السوري” و”النووي الإيراني”، وتركيا أظهرت مرونة (انتهازية) في قدرتها على التنقل بين المواقف والمواقع، ودائما بحسابات “التاجر الشاطر”، تبحث عن السلاح (وأشياء أخرى) في موسكو، وعن “مائة مليار دولار” تبادل مع إيران، وعن النفط والغاز من شمال العراق ولا بأس من جنوبه كذلك … لكن العقدة السورية ما زالت تقف في طريق “المنشار التركي”، والمؤكد أنها تسعى اليوم للالتفاف من حولها بعد أن تعذر عليها كسرها وتشطيرها.
تركيا استدارت بزاوية لم تبلغ 180 درجة بعد، لكنها في الطريق إلى ذلك، وستأخذ معها أطيافاً واسعة من معارضة الخارج السورية، التي ترتبط بأنقرة وتأتمر بإمرتها، ولقد سبقتها أو سارت معها كتفاً لكتف، إمارة قطر، فيما دول الخليج الخمس تسعى في تدوير الزوايا الحادة في المواقف السعودية، ولقد أوفدت لذلك ناطقاً باسمها إلى طهران، حيث أحيطت زيارة الشيخ عبد الله بن زايد لطهران بكثير من الاهتمام، فصاحب “مشكلة الجزر” مع إيران، هو من يقود التقارب معها، ومع ذلك هناك من “فرسان المعارضة السورية” من لا يزال “يتعنظز” برفض جنيف والحل السياسي ويصر على الحسم وإقامة دولة الشرع والشريعة ؟!.