0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

نظارات بالعربية الفصحى

في اواخر القرن التاسع عشر ابتكر الكاتب المصري يعقوب صنوع، مؤسس الصحافة العربية الساخرة، ابتكر شخصية «ابو نظارة» في صحيفة ساخرة كان يصدرها بالتعاون مع الشيخين جمال الدين الأفعاني ومحمد عبده، لنقد ممارسات الخديوي آنذاك.
كان المقصود أن من يرتدي النظارة يشاهد أمورا اكثر وبوضوح اكبر، بالتالي يستطيع النقد بالسخرية من الأشياء المقيتة والمظلمة في ممارسات الحكومات، لغايات  توعية الناس وتجييشهم ضدها ومحاربتها، بغية التخلص منها.
تذكرت زميلنا العتيق يعقوب صنوع خلال قراءتي لخبر يفيد بأن شركة مايكروسوفت  حصلت على براءة اختراع لنظارة «ذكية» يمكن وصلها بالإنترنت، تتميز بأنها تستطيع التقاط مشاعر الناس في مجال رؤية من يرتديها وتفسير هذه المشاعر، ويعتمد عملها على نظام تحليل استشعار العواطف .
وبحسب المعلومات الواردة ، فإن من يرتدي هذه النظارات يمكنه أن يقرر أي الأشخاص في مجال الرؤية، سواء أكانوا أفراداً أو جماعات، يريد تحليل مشاعره أو مشاعرهم من دون أن يعرف ذلك الشخص أو الجماعة عن الأمر.
وتتيح النظارات التقاط مجموعة كبيرة من السلوكيات للأشخاص، مثل إيقاع حديث الشخص وتناغمه، وسرعة الإيماءة لدى الكائن، وكذلك لغة جسده، ومن ثم يصار إلى تحليلها، وأخيراً التوصل إلى نتيجة حول الحالة العاطفية للشخص حينما يقابله.
شركة ميكروسوفت لم تقرر بعد متى سوف تنتج مثل هكذا نظارات، ربما لاعتبارات تجارية ، وربما لتقدير مدى خطورة التغيير الذي سوف تحدثه في النسيج الاجتماعي للناس ، الذي قد يفوق تأثير رفيع الصون وغليظ العفاف المستر» فيس بوك».
مجانا، سأفتح عيون ميكروسفت على استخدام مبتكر لهذا الاختراع، لم ولن يفكر فيه غيرنا نحن العرب . ولكم ان تتخيلوا معي  ملامح مسؤول عربي ، ارتدى نظارة ميكروسوفت هذه ، وجلس في مكتبه  بين موظفيه، وهو يستمع لما يقولون  له من مديح واعجاب ، قد يصل الى حدود تخوم العبادة، وبين المشاعر الحقيقية التي يكنونها له ، والتي تظهر له على الشاشة الداخلية للنظارة، بعد تحليل مشاعرهم.
ولكم ان تتخيلوا لو استخدم هذه النظارة المسؤولون  خلال لقاءاتهم ببعضهم، حيث ستظهرالمشاعر الحقيقية وتطغي على الترحيب والتهليل والسجاد الأحمر والنشيد الوطني وتبادل الحبحبات والتبويسات واللغمطات.
ولكم ان تتخيلوا لو لبس المسؤولون  هذه النظارة ونزلوا الى الوزارات والدوائر الرسمية والشوارع وألقوا الخطابات والمواعظ ، وعرفوا، بواسطة تلك النظارة، ردود فعل الناس الحقيقية على ما ينطقون.
الشئ الوحيد الذي اعرفه، انه لو حصل هذا، فإن المسؤولين، سوف يشلحون النظارة ويدوسونها بأقدامهم، ويمنعون دخولها الى دولهم، تحت طائلة المساءلة القانونية ، ويعودون الى سابق عهدهم ..حبايب مع الجميع .
ببساطة..نحن لا نحب الحقيقة. يوسف غيشان