عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

الصحافة الورقیة بین زمنین

كلما جالست أحدھم قال لك إن الصحافة الورقیة في طریقھا إلى الاندثار، ویضرب لك أمثلة عن
إغلاق الصحف في دول كثیرة، عربیة وأجنبیة.
اعتقد أن الصحافة الورقیة ستبقى قائمة، إذا ادیرت باعتبارھا صناعة، ولیس عملا سیاسیا، أو
حزبیا، یعتمد على عناوین وحاضنات محددة، وبھذا المعنى فإن الصحافة الورقیة، مع الإقرار
بالتحدیات التي تواجھھا، لن تختفي، بل ستظھر عبر نمطیات جدیدة، نراھا الیوم، في نماذج
صحافیة لامعة، تربط الطبعة الورقیة، بوسائل التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني،
وبالتخطیط لحملات الإعلان بطریقة مختلفة، مع فھمھا لطبیعة التحولات في الإعلام والجمھور
والإعلان.
كیف یمكن أن یتصور البعض أن الصحافة الورقیة سوف تختفي تماما، وھناك إحصاءات عن دول
مثل الھند وغیرھا، تنتعش فیھا الصحافة الورقیة، ھذا على الرغم من وجود الإنترنت في تلك
الدول، الذي لم یؤد إلى إنھاء الصحافة الورقیة، وعبر ھذه النقطة بالذات، فإن الانطباع الأخطر،
یرتبط بقناعة البعض بالقاعدة التي تقول إن الإعلام الإلكتروني، أو زیادة عدد مستخدمي الإنترنت،
ستؤدیان بالضرورة إلى إنھاك الصحافة الورقیة وإزالتھا عن الخریطة، وھذه قاعدة یجب أن تبقى
قید المتابعة والتدقیق وإعادة التقییم بین فترة وأخرى.
من ناحیة مھنیة، یبدو التحدي الأھم على صلة بالمحتوى، أمام سباق الأخبار، والمعلومات، وما
یسمى الانفراد الصحفي أو السبق، وھذا المحتوى، ھو الواجب خضوعھ للتعدیل لابتكار أنماط
صحفیة خاصة وجدیدة، تعوض حرق الأخبار، یومیا، عبر الإعلام الإلكتروني، أو شبكات التلفزة،
أو وسائل التواصل الاجتماعي.
الصحف الورقیة سابقا كانت تحتاج إلى یوم كامل حتى تظھر طبعتھا، وتصل معلوماتھا إلى
القارئ، لكن تدفق المعلومات في دقیقة واحدة، بات یسلب الصحافة الورقیة انفرادھا أو خبرھا،
والحل ھنا، لیس صعبا، ویكمن في تطویر مواقع الصحف الورقیة الإلكترونیة لتدخل في سباق
الانفرادات، مثلما یمكن تحویل الطبعات الورقیة إلى منصات للآراء والمقابلات والتحقیقات ذات
القیمة الانفرادیة، تعویضا، عن حالة حرق الأخبار التي یعاني منھا الإعلام الورقي الیوم.
ربما یقول كثیرون إن الأزمة الأھم، تتعلق بتمویل ونفقات الصحف، وما یشھده الإعلان من
تحولات كبرى، وانجراف نحو وسائل بدیلة، وھذا أیضا ملف مھم جدا، لكن معالجتھ بحاجة إلى
إصرار من جھة، وخطط، من أجل صون تمویل الصحف عبر الإعلان، وعدم السماح بإخراج
الصحافة الورقیة من السباق.
الروح السلبیة التي تقول لك إن كل الأجیال الجدیدة تستعمل أجھزة الموبایل، من جھة، وغیرھا من
أجھزة للتصفح، وأن القدرة البصریة على قراءة الصحیفة، تراجعت كثیرا، لا تتنبھ أیضا إلى أن
صناعة الورق والكتب والصحف والمجلات، مؤھلة أیضا للازدھار الشدید، وھناك مؤشرات على
تراجع في موجات الانفضاض عن كل ما ھو ورقي، عودة إلى الورقي بما یعنیھ تصفح الكتاب أو
المطبوعة.
إذا ادركنا أولا وأخیرا، أن الصحافة باتت صناعة، ولم تعد مجرد واجھات سیاسیة، فإن القائمین
على ھذه الصناعة، لدیھم حلول كثیرة، على الرغم من كل المصاعب، وأبرز ھذه الحلول یرتبط
أیضا، برشاقة الصحف، وعدم تورطھا في أطنان الورق المستورد دون جدوى، من حیث الكلفة
ومردودھا، إضافة إلى ما یتعلق بترشیق بقیة الكلف، حتى تكون الصحف قادرة على الاستمرار.
ما یزال الوقت مبكرا، لحسم المآلات، والقول إن الصحافة الورقیة في طریقھا إلى الاختفاء،
خصوصا، إذا اثبتت الصحافة الورقیة، مصداقیتھا العالیة، من جھة، وعدم تذاكیھا على القارئ،
وقدرتھا على اقناع رؤوس الأموال، بما تعنیھ من مؤسسات وشركات، حول كونھا الخیار الأول،
لحملات ھؤلاء الإعلانیة، وھذا یعني في المحصلة، أن ھناك أزمة في العالم، لكن یمكن تجاوزھا
إذا قررت الصحف أن تبقى، وأن لا تتراجع أمام الضربات والتحولات.

ماهر ابو طير