مصراتة ما بعد الثورة ( 1 )
رحلة من عمان إلى مصراتة ( عاصمة الثورة الليبية )
قبل الذهاب للاطلاع على واقع ما خلفته الحرب وأثارها الجانبية على المواطن الليبي كان بزيارتي في الأردن صديقين عزيزين هما د مفتاح حنيش ومحمد ابوعجقة من مدينة مصراتة تحدثت معهم كثيرا عن ما جرى في تلك الحرب وسلبياتها وايجابياتها وكلمة حق تقال بحقهما أنهما وطنيان وقوميان أكثر مما كنت أتوقع ففي الماضي كنت اعتقد بان النظام السابق هو من زرع روح القومية بين الليبيين لكنني تفاجأت بانتمائهم المطلق ليس لليبيا فقط بل للأمة العربية بأكملها كنت أحاول استفزازهم لكي يجاب علي بطريقة ما تمكنني أن أتعرف أكثر عن أسباب الثورة وما خلفته هذه الحرب القاسية عليهم من دمار وتشريد وتحدياني بان اذهب وارى مدينتهم التي قدمت ألفي شهيد وبحوزة ثوارهم أكثر من سبعين بالمائة من مخزون ليبيا العسكري وكيف أن مصراتة تنعم بالهدوء والطمأنينة والاستقرار فقد قبلت التحدي وكلي أمل أن يكون وصفهم حقيقي وخصوصا أننا نسمع بين الحين والأخر عن اشتباك هنا وهناك أو انفجار ما قد حدث فقررت السفر معهم وودعت مطار عمان والخوف ينتابني بعض الشيء لكن ثقتي بأصدقائي جعلتني مطمئن إلى حد ما ففي الطائرة وقبل الهبوط بلحظات خيل لي أن هناك رائحة الصحراء والجمال هبت في انفي فقلت لصديقي ابوعجقة أنني اشتم هذه الرائحة فقال لي مازلت تعتقد بأنه لا توجد حضارة عندنا فقلت له لا تفسر الأمر هكذا انه مجرد إحساس انتابني فقط وعند اقتراب الطائرة من المدرج الذي ستحط فيه لم أشاهد أن هناك مبنى للمسافرين فسائلته عنه فأجابني انه لا يوجد لدينا مبنى للمسافرين يداعبني لا تقلق غدا أو في اي وقت أخر سنختم لك ختم الدخول فحطت الطائرة وتوقفت وكان بانتظارنا حافلة لنقل الركاب لنقلنا إلى مبنى القادمين وقبل الصعود في الحافلة هبطت طائرة تابعة للخطوط التركية تقل مسافرين قادمين أيضا مما يدل على أن هناك حركة متواصلة .
شاهدت مبنى صغير الحجم وبنائه حديث تم بنائه ما بعد الثورة على حساب أهل المدينة من ميسوري الحال لكنه في الحقيقة يقوم بعمل مطارات كبرى وتحط فيه عشرات الطائرات يوميا اصطففنا حتى تم ختم جوازاتنا ودخلنا المدينة ففي أول ملاحظة لي لم أشاهد شرطي سير واحد لكنني أرى الجميع ملتزم بالإشارات الضوئية وكان يوم جمعة ولايوجد لديهم كميرات مراقبة مثلنا والمفاجئة الثانية أنني لم ألاحظ في الشوارع التي مررنا بها ما يتحدث عن حرب كانت طاحنة في هذه المدينة فسألت أصدقائي د حنيش وابوعجقة أين المباني المهدمة فابتسما وقالا قمنا بترميم كل شي ما عدا ما يخص النظام السابق وبعض من المباني التي تتبع للدولة لان ما تراه هو انجاز من قبل أبناء المدينة الذين تطوعوا لأعمارها ومررنا ببعض الشوارع التي فيها محلات تجارية ذات العلامات التجارية المعروفة لكنها مغلقة بسبب يوم العطلة لكن البعض منها يفتح في المساء وذهبنا للبحث عن فندق لكي أقيم فيه مدة زيارتي فوجدنا أن معظم الفنادق مكتظة بالزوار حتى أن وجدنا فندق لدية متسع لي ومع أن أصدقائي طلبا أن يستضيفاني في بيوتهم الجميلة إلا أنني فضلت أن اخذ راحتي في الفندق ولم ألاحظ داخل المدينة وجود لظاهرة المسلحين كما نشاهده على شاشات التلفاز أو في وسائل الإعلام الأخرى وفي الفندق لفت انتباهي كثرة التجار ورجال الأعمال الأتراك وبعض من الجنسيات الغربية وباعتقادي أنني الأردني الوحيد الموجود في المدينة في هذه الفترة انتابني شعور بالغيرة لما لا يكون من رجال أعمالنا وتجارنا وخصوصا أن لدينا صناعات عديدة تحتاجها ليبيا في هذه الفترة بالذات ولدينا كادر من المعماريين والإنشائيين يمتاز بمهارة عالية وكفاءة في التنفيذ ومع أنني علمت بان اتفاقيات جرى توقيعها بين مؤسسات حكومية أردنية وليبية وبمشاركة القطاع الخاص إلا أننا لا نرى سوى حبر على ورق من دون تنفيذ وترى السياسة الاقتصادية لدى الغير متمكنة ومبادرة لتنفيذ قبلنا مثل تركيا وغيرها وهذا ما توصلت اليه في اليوم الأول من زيارتي