قيادات إخوانية تربعن
ربما يكون من المبكر تقييم ما حدث في الدول العربية من حركات إحتجاجية وثورات، مثل تلك التي حدثت عام 2011 في تونس، وبعدها ثورة 25 يناير 2011 في مصر، التي أطاحت بحكم حسني مبارك، والثورة الليبية المسلحة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي، وأخيراً وليس آخراً، الثورة اليمنية التي أجبرت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على التخلي عن السلطة.
وعلى الرغم من أن البعض يرى بأن ما وصف بالربيع العربي، لم يكن إلا خريفاً أسقط المؤسسات، وفتح المجال لتقسيم الدول، وفقاً لمخطط دولي يجري تنفيذه على مراحل، إلا أن المراقبين يجمعون بأن الوضع في تلك البلدان ما كان ليستمر على ما كان عليه قبل الثورة، وبالأخص في مصر، حيث تردّت أحوال الناس إلى أوضاع كارثية، أستغلها الخصوم السياسيون، وبالأخص المنظمون منهم للوصول الى السلطة عن طريق صناديق الإقتراع.
صحيح بأن جماعة الأخوان المسلمين كانوا قد عملوا على مدار ثمانين سنة وأكثر للوصول إلى الحكم في البلد العربي الأكبر، وقلب الأمة العربية النابض وبوصلتها، مِصر، إلا أنهم قد تشردقوا في إبتلاع كعكة السلطة، وإستعجلوا في تطبيق أفكارهم السلفية على المجتمع المصري، الذي قابلهم بالرفض التام لممارساتهم وأفكارهم التي كانت ستفضي إلى دولة سلفية رجعية في غضون سنوات قليلة، لا محالة.
لقد، أخطأ تنظيم الأخوان المسلمون في مصر، عندما تخندقوا في ميدان رابعة العدوية، ورفضوا إي حوار سياسي، قبل إعادة الرئيس المخلوع محمد مرسي، وكان عليهم أن يفهموا بأن القادم أصعب، وقد تم إخلائهم بالقوة، مما أسفر عن سقوط ضحايا، نحتسبهم شهداء عند الله عز وجل.
إخواننا في الأردن، هم جزء من هذا التنظيم العالمي، وهذا من حقهم، وقد أصابهم السقوط المدوي لإخوتهم في مصر بنوع من فقدان التوازن، ولم يدركوا حتى الآن … أن الأردن غير.
• الأردن غير، لأنه بلد صغير من حيث المساحة، وعدد السكان.
• الأردن غير، لأنه يشترك مع إسرائيل بحدود مباشرة طولها أكثر من 500كلم تتطلب منه صرف جزء كبير من ميزانيته على الدفاع، بالمعدات والبشر.
• الأردن غير، لأنه يفتقد الى الموارد الطبيعية النفيسة، كالنفط والغاز والمياه، مما يجعله يستنزف ثلث الموازنة لدعم كلف الطاقة المستورة.
• الأردن غير، لأنه إستقبل نصف الشعب الفلسطيني على أراضيه في هجرات 1948، 1967، 1992 حيث يتطلب ذلك منه الموازنة بين معادلة المواطنة، والسعي للحفاظ على نقيضها، وهي الهوية الفلسطينية المستقلة، وهي معادلة جد صعبة، لما لها من تبعات قانونية، فمن منا يمكن ان يتخيل لو أن الدولة منعت الأردنيين من أصل فلسطيني من الحصول على الرقم الوطني، وبالتالي منعهم من المشاركة بالبرلمان.
جميع هذه المبررات الأربعة وغيرها كثير، جعلت الأردن في موقف لا يحسد عليه، فمجال المناورة ضيق فللوضع الأردني خصوصية، لا نمتلك فيها رفاهية الآخرين الذين يمتلكون مجالاً أكبر للمناورة، وفرض المواقف على الصعيدين العربي والعالمي.
هذا لا يعني على الإطلاق، الإستكانة، وإطلاق اليد نحو التفرد بالحكم عن طريق الملكية المطلقة، كما في بعض الدول المجاورة، ولكن، السعي للإصلاح الذي يجنبنا القفز في المجهول … إصلاح بالنقاط وليس بالضربة القاضية.
أما وقد تأثر الأردن بالربيع العربي الذي أتى نتيجة للإستفراد بالسلطة من قبل الحُكام العرب، فقد لاحظنا إستعداد المركز الأمني السياسي (المخابرات والقصر) لتقديم بعض التنازلات لإستيعاب الحراك الشعبي عن طريق سياسة الأمن الناعم وتقديم بعض التنازلات التي ما زالت متأرجحة في إنتظار وضوح الصورة والتي يعتمد على نتائجها درجة الإستجابة إلى المطالبات الشعبية، والتي قد تصل بنا إلى الحكومات البرلمانية الحقيقية على غرار ما هو متبع في الديمقراطيات الحقّة.
نعم، هناك إختلاف جوهري في صفوف المعارضة الأردنية، على الرغم من وجودها (شكلياً على الأقل) في ظل تنسيقية المعارضة. هذا الإختلاف طفى على السطح مع تسارع الأحداث في مصر، التي أفقدت الشق الأردني من التنظيم العالمي للأخوان المسلمين إتزانهم، فلم نعد نعرف ما هي إستراتيجيتهم، هل هي الضغط على دواسة الإصلاح من خلال فرض الملكية الدستورية، أم الدوس أكثر فأكثر، للوصول إلى السلطة وإقامة أحد (الأمصار) تمهيداً لتشبيكها مع ليبيا وتونس ومصر والسودان، ومن ثم إلى الجزيرة العربية، فالأردن، وسورية، وتركية والشيشان …ولن أكمل حتى لا يغمى على بعض القراء من ضبابية المشهد، فيما لو إكتمل.
أخواننا في الأردن، حائرين، فلا التهدئة ترضي شِيبهم، ولا التصعيد مُتاح لشبانهم … لأنهم، وبباسطة لم يستفيقوا من هول الصدمة، فبتنا نراهم في المسيرات مربعنين.
إن رفع اليد عاليا، وفتح أربع أصابع، وإغلاق الإبهام، هو شعار مصري بإمتياز، إرتبط بحادثة فض إعتصام في ميدان مصري بإمتياز، فما الداعي لرفع هذا الكف في وجوهنا في عمّان وغيرها.
المشكلة إن الصور المتداولة على المواقع الإليكترونية، تظهر أساتذة جامعات، ونقباء، يرفعون شعاراً مصرياً، لا بل أن أحدهم أركب أبنه ذي الثلاث سنوات على كتفيه، ومربعن أيضاً … كيف لهذا الطفل أن يفهم ويربعن؟
أي نوع من المجتمع، تسعون إليه يا إخوان … مرة إخرى، الأردن غير …