الثمر المنتظر
منذ زمن، وأيلول يأتي هادئا، ويمضي بلا تكاليف،يبشر بالخريف ثم تتناثر الأوراق بعده، مصفرَّة في كل مكان، وبقدر الإحباط، الكامن في اصفرارها، يتولد الأمل، بقدوم الورق الأخضر، من جديد،ويتأكد من خلال العادة (لولا سقوط الورق الأصفر لما تجدد الإخضرار واستمتعنا بالثمر) .
إلا أيلولنا هذا والذي قبله، فقبل أن يأتي، بدأت أوراقنا تسقط، أشلاءً وقذائفَ ودماءً وعاهاتٍ مستديمة، وخياماً في العراء، وعَراءً في الخيام، وبرداً وجوعاً وسهولا لقمح محترق، وجبالاً جرداء .
والأوراق القادمةُ: قاتمة وسوداء، “والثمر المنتظر، خليط من الأوهام،وهريساً من العفن، ووروداً من قماش ممزق، يَنْبُتُ من تحت الأنقاض، عبيرا من دخان، ورحيقا من غبار.
سيزهر الدَّم ورداً قانياً، ويزهر الجوع، زهرا شديد الإصفرار،ويزهر الخوف أقحوانا رماديا،والنحلات ستمتص رحيقاً آسنا،وستشرب من برك آسنة، كونتها الأمطار أمام الخيام، سيجول الطَّرْفُ، الذي كان مترفاً، في الأنحاء بكل بلادة،وتغدو المسافات هباء، العصافير لن تصدح! فكثير من الغربان، تصطنع الزحام في الأجواء، وكذلك الديك المزهو، غدا منتوفاً، فقد قتلوا صغاره، واغتصبوا ما تبقى من دجاج.
والأوطان ستغدو،طابعا بريديا،ولوحة على حائط في المنفى،وقصيدة تلعن التشظي، وتحلم بالوطن المرسوم، على الخريطة،وسيزداد التراب، تمزقاً وتلوناً، سيكون بلون أحمر، ولون أسود، ولون أجرد.
ستقولون بأنني سوداويٌ! ومليءٌ بالتشاؤم! معكم حقْ
فربما لأنني! لم أر الأعياد الوطنية! وحبال الزينة، ولم أقرأ قصائد، الغزل المحموم ،بالقطر الأوحد، ربما لأنني لم أشهد، مؤتمرا للقمة يُبَثُّ، على الهواء مباشرةً،ولم أسمع خطابا “لزعيم عربي” يبشر بالفتح، ولم أحضر مؤتمرا للتنمية البشرية،أو الإقتصادية،أو للتطوير الدائم، فأنا لا أحسن، وضع الأرجل فوق الأرجل،ولا أحسن تدوين، نقاطَ رئيسية،وظننت بأنني، لا أحتاج دليلا، من المنافقين على الممانعة،فأربعون عاما وادعاً، قد تسقط لعدم كفاية الأدلة، وربما لأنني لم أقتنع، بأن قبلة الإمام في صلاتنا هي الكعبة، وظننت بأنه يتوجه شطر الحاكم،أعذروني فلم أفطن بأن قصر الحاكم أقيم عرضا في جهة القبلة.
أعذروني؛ فلم أكن أعلم، أن ميزانية النفط ،توجه للتسليح المستمر، ولم أعلم، أن ثمة طائرة، من غير طيار، ترصد الصهاينة،أعذروني؛ فلم أكن أعلم ،الكثير مما تعلمون، ولم أكن أشعر، بنكهات الفخار والعزة والسؤدد في الأشعار الوطنية! ظننتها لجهلي نكهات صناعية،أعذروني؛ فلم أنظر لنصف الكأس، المملوء عزما على “مكافحة الإرهاب” لكي نحيا بأمان.