0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

غزوة جرش

 
   جرش مدينة أردنية، تقع على بعد 48 كيلومتر إلى الشمال من مدينة عمّان، وفيها مدينة أثرية Gerasa يعود تاريخ تأسيسها لعهد الأسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد. وعاشت عصرها الذهبي تحت الحكم الروماني، وكانت جرش أحدى مدن الديكابولوس (حلف المدن العشرة) وفيها بوابة هدريان، والشوارع المعبّدة والمُحاطة بالأعمدة ذات التيجان الكورونثية، والمسارح والمياديين والقصور والحمامات والكنائس، ومعبد أرتيميس.
وللتذكيربالنسق التاريخي للأحداث، فقد برزت عدة قوى إقليمية قبل الميلاد مثل حضارة نغادونغ 50000ق.م (جنوب الصين) وثقافة كومورنيكا 7000ق.م (اليابان) وادي السند 4500 ق.م (الهند) والفراعنة في مصر 3150ق.م ، والأغريقيين في اليونان 1100 ق.م، والفارسية 559ق.م، والحضارة الرومانية 275ق.م، والحضارة الإسلامية إعتباراً من تاريخ الهجرة النبوية عام 622م. حضارات بنت كل منها على منجزات من سبقها، لترتقي بالبشر إلى ما وصلنا اليه من تقدم ورفعة.
ما يهمنا هنا هي الحضارة الرومانية، التي تركت العديد من المخلفات الأثرية، والتي جعلت من الأردن متحفاً مفتوحاً. فقد كانت بلادنا هذه تحت حكم الإمبراطوية الرومانية، أفادوا فيها وإستفادوا، ولكنهم ظلوا غرباء فيها، وقد كثرت السخرات والمظالم، وقد كان أجدادنا رقيقاً عندهم، وهم من عمّروا تلك المباني التي ما زالت حاضرة على الرغم من العديد من الزلازل (اشدها عام 747م) التي ضربت المنطقة.
وقد كانت المباني العامة كالمسارح الرومانية Amphitheatre وهي مساحات دائرة أو بيضاوية، مكشوفة مزودة بعتبات جلوس، تستخدم للمناسبات مثل المبارزة Gladiator والمصارعة حتى مع الحيوانات. وقد تم إكتشاف 230 مدرّج في مناطق الأمبراطورية الرومانية، أهمها الكوليسيوم Colosseum الموجود في مدينة روما والذي بني في العام 80م.
وحسب معلومات من المهندس عامر القمش، مساعد مدير عام دائرة الآثار العامة لدينا منها في الأردن 9 مدرّجات، أثنين منها في وسط عمان (الرئيسي الذي بني عام 161م ويتسع لستة آلاف شخص وموجه شمالا لتجنب اشعة الشمس المباشرة، والأوديون) ومدرجين في أم قيس، ومدرج واحد في طبقة فحل، ومدرج في بيت راس، وآخر روماني في البتراء، ومدرّجين في مدينة جرش الأثرية.
جرش تضم مسرحين مكشوفين، الأول شمالي بني عام 165م يشمل على 14 صف من المقاعد، وكان يستعمل لعرض المسرحيات وإجتماعات مجلس المدينة. المسرح الثاني هو المدرّج الجنوبي الشهير، والذي يتسع لحوالي 3000شخص.
نحن في الأردن، دولة وسطية، نؤمن بتوالي الحضارات ونحترمها. ولهذا تنبه الأكاديميون الى ضرورة إستغلال هذه المدينة التاريخية للفعاليات الثقافية، فكانت المبادرة من جامعة اليرموك قبل 28 عام لعمل مهرجان يعقد كل عام في جرش، فإعتلى المسرح الجنوبي عمالقة الفن والطرب من أمثال فيرزو ووديع الصافي وصباح فخري، واستضاف فرق فنية فلكلورية عالمية ومحلية، وشعراء مثل أدونيس ومحمود درويش. ويرافق المهرجان إحتفالات وطنية في الساحات، ومعارض تراثية، وأصبح مقصداً يجدول المغترب الأردني والسائح العربي موعد زيارته للأردن حسب تواريخه.
إلا أن هذا الحدث الثقافي الرائع، أصبح هدفاً لبعض الظلاميين، فسعوا الى الدعوة لإيقافه بحجج واهيه، مثل منع الإختلاط (أوليس الطواف حول الكعبة المشرفة مختلطاً). ووصل حد الصلافة بهم إلى وصفه بمهرجان الفسق والفجور. ونجحوا بتعطيله لمدة ثلاثة سنوات، إلى ان أعاد دولة معروف البخيت الحياة للمهرجان في العام 2011، فأعاد لمحببي الحياة البهجة والسرور، وللأردن موقعه على رزنامة الثقافة والفنون المحترمة.
المسارح الرومانية التسعة التي لدينا في الأردن، تكفي لإستقبال الفعاليات الثقافية المختلفة على مدار العام، والتي كان آخرها مهرجان (وتحلوا الحياة) بتنظيم من وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية. واعتلى خشبة المسرح الجنوبي، دُعاة مثل عائض القرني، ونبيل العوضات، ومحمد حسين، ومنشدين ليتحفوا جمهورهم بالموعظة الحسنة. حدث فرحنا له من جهة، وسائنا من إستغله ليزرع بذور الفتنة في هذا المجتمع الأردني الوادع المسالم، فإمتلئت حوائطهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالتهليل بالنصر والفتح المبين.
عن أي فتح تتحدثون، أوليست الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الأوقاف هي من نظمت هذا المهرجان، وفي نفس المكان الذي تقام فيه فعاليات مهرجان جرش الثقافي. أوليست هذه هي التعددية والوسطية التي عرفت عن الأردنيين، حيث يمارس الناس حياتهم الطبيعية في ظل تنوع فسيفسائي عز نظيره في المنطقة.
لا تفسدوا فرحتنا بهذا المهرجان الجديد … بمنشيتات الفتنة التي نشرها البعض مثل (الدين ينتصر على الفن) أو (رغما عن أنف الحاقدين، عُقد المهرجان) لدرجة أن بعضهم وصفها بغزوة جرش، هذه عناوين متخلفة، تدعو إلى الفتنة، والتي هي أشد من القتل.