سهى كراجه والناطق الرسمي
تكاد تكون المرة الأولى التي ينحو بها التلفزيون الأردني منحى يعبر من خلاله عما يجيش بصدور المواطنين وعن وجهة نظرهم من خلال الأسئلة التي كانت توجهها المذيعة الألمعية سهى كراجه بلقائها مع وزير الإتصال الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني. لاحظنا أن التقرير الذي عرض من الشارع خلال المقابلة أبرز وعلى غير العادة عدم رضى المواطنين عن الحكومة وقراراتها وخصوصا ما يتعلق بالبطاقة الذكية الخاصة بالخبز والتي ستعود على المواطن بالخير الوفير وعلى الخزينة الفارغة بالدعم الغزير كما تزعم الحكومة.
كانت أسئلة الإعلامية سهى كراجه حقيقة تدغدغ ما بداخلنا كمواطنين نتناقلها ونتبادلها بالمجالس واللقاءات وبالشارع ومن خلال الصحافة الإلكترونية وقلما نجد لها إجابة وإن تلقينا إجابة فتكون تلميعا للقرار ومتخذيه وهي الحكومة برئيسها الذي لا يجيد إلا رفع الأسعار والإثقال على المواطن. الأسئلة كانت صريحة على غير العادة وقد عجبت واستغربت من وجود ما لم نعتد عليه من التلفزيون الذي عودنا أن تكون الأسئلة الموجهة للمسؤولين تصب باتجاه مثالية الحكومة وصوابية قراراتها ونجاعتها ومردودها الإيجابي على المواطن الأردني الذي تنقصه, من وجهة نظر الحكومة, خصلة فهم قرارات الحكومة والتي يقصد منها رفاه المواطن والتوفير عليه والتخفيف من أعبائه. فالمواطن كما عودنا التلفزيون وهو جزء من الحكومة, أن المواطن لم يرتقِ بعد ولم ينضج لكي يفهم ويستوعب ما ترمي إليه قرارات الحكومة.
بالمقابل كانت إجابات معالي الوزير الذي تظهر على ملامحه الجدية المبالغ بها والصرامة، رسمية وديبلوماسية بحتة حيث لو أخذنا ما قاله بتجرد ودون الإنطلاق من الواقع الذي نعيشه، لخرجنا بحكم يقضي أن الأردنيين يعيشون ببحبوحة ورفاه وديمقراطية لا يتمتع بها أي شعب من شعوب الكرة الأرضية بل أولئك الذين بمخيلة أفلاطون ومدينته الفاضلة الـ (Utopia).
لقد دافع معاليه عن الحكومة باستماتة كعادة الناطقين الرسميين وهو أهم متطلبات وظيفته ربما دون أن يترك لنفسه ولو نسبة بسيطة لهامش من كونه مواطنا أردنيا تمرغ بتراب عبلين وتسلق أشجار سنديانها وبلوطها قبل أن يكون وزيرا. لو حصل ذلك فسيضفي شيئا من المصداقية التي تنعكس على المواطن ليوازن بين الأمور ويصل لحقيقة الأمر. أما أن يبقى الناطق متمسكا بالإلتزام بالدفاع عن الحكومة ورئيسها وما يتخذه من قرارات, هو يعلم بالتأكيد من أقاربه مدى عدم الرضا عنها ويردد تأكيدات الرئيس التي لم تعد تُقبل دون تَقبّل أي عذر للمواطن فذلك من أسباب التنافر والخصام التي يخلقها مثل هؤلاء المسؤولون بين الدولة والمواطن.
وقبل إجابته على السؤال المتعلق بالموقف الأردني من الأزمة السورية, كبر بنظري التلفزيون الأردني من خلال سؤال الإعلامة كراجه الذي مفاده أن الأردن أحيانا مع المعارضة وأحيانا مع النظام. لقد كان سؤالا جريئا ومن مذيعة جريئة بالإضافة لكونه مباشرا ومحرجا. جاءت إجابة معاليه عامة وتقليدية ولم تعطي تفسيرا للتقلب بالمواقف. بل كانت الإجابة توحي بمدى ارتباط وارتهان الموقف الأردني بخصوص القضايا الخطيرة برضى دول شقيقة وصديقة أكثر ما يكون مرتبطا بالمصلحة الأردنية ومرهونا للرأي العام الأردني.
وعند سؤالها عن كون الحكومة تنظر للمحافظات من منطلق إنساني وبداعي العطف والشفقة وليس من منطلق أنها صاحبة حقوق ومن أولى واجبات الحكومة خدمتها وتقديم ما يلزم لها، كانت إجابة معاليه عامة أيضا وغير واضحة منطلقا من كونه ينطق بما يريده رئيسه دون أن يترك فرصة لاجتهاده الشخصي بالتوسع بالإجابة التي تقنع المشاهد.ويبدو أن معاليه قد نسي أنه أحد أبناء قرية عبلين وينتمي لمحافظة عجلون المهملة والتي لو استغلت من منظور إقتصادي ووطني لموقعها وطقسها وما حباها الله من جمال الطبيعة والثروة الحرجية, لكانت من مواقع الجذب السياحي الأردني بامتياز ويمكن أن تكون أحد موارد الخزينة.
نحن نعاني من حقيقة ولاء المسؤول لرئيسه وانتمائه لمنصبه وجل همه أن يبقى رئيسه مباركا لخطواته وأقواله حتى لو كانت هذه الخطوات وهذه الأقوال لا تنسجم مع المزاج الشعبي والرأي العام ولا تخدم الوطن. والبديهي أن ولاء المسؤول يجب ان يكون للمواطن وانتماءه للوطن لكي يعمل الجميع بنفس الروح لتحقيق ما يرضي الوطن والمواطن لا أن يرضي فلان أو علان.
وعند سؤاله عن كثرة من يصرحون موحية السيدة كراجه أن ذلك يؤدي لتضارب المعلومات ويدل على التخبط مما قادها إلى سؤاله عما إذا كان ناطقا باسم رئاسة الوزراء أم باسم الحكومة، وإن كان ناطقا باسم الأخيره فذلك مدعاة ليتوقف الآخرون عن التصريحات التي تخلق تشويشا عند المواطن وتجعله مرتبكا. فجاء رده أن التصريحات بتعددها تأتي مكملة لبعضها.
فما دمت أيها الناطق الرسمي تبارك تعدد الذين يدلون ببيانات بشأن ما، فما الحاجة لمنصب الناطق الرسمي؟؟ فعليك التنحي ودع الجميع يغني على ليلاه. أمريكا بحجمها الكبير ومسؤولياتها المترتبة على قيادتها للعالم, لها ناطق واحد فقط هو الناطق باسم البيت الأبيض يعنى بالشؤون العامة للدولة وهناك ناطقان أحدهما للخارجية يعنى بشؤون وزارته فقط وآخر للدفاع يعنى بشؤون الدفاع البحتة. فكيف تريد إقناعنا أن كثرة الناطقين مؤشر صحي وعلينا تقبله من باب أن الحكومة لا تخطئ وما لدى المواطن من تحفظات عليها هي محض سوء فهم وأن الحقيقة غير ما يعتقده الناس وأن الحكومة لا تنطق عن الهوى؟؟
هداك الله يا ابن عبلين، المواطن الأردني ليس بهذه السذاجة وليس مغفلا ولا تنقصه الدراية والمعرفة والتجربة لكي تحاولوا تمرير مثاليتكم واستخفافكم بعقله. الشفافية التي تدعون بها تعني الصدق والمكاشفة وفرد الأوراق وليس تغطية الشمس بغربال الحكومة وعدم ترك المواطن بالظلام بل مصارحته بالحقيقة والعمل بصدق وإخلاص من خلالهما تستعاد الثقة ويتم التوصل لتوافق وتناغم وتعاون بين القمة والقاعدة.
نثني على الإعلامية القديرة سهى كراجه التي اخترقت الصورة النمطية لإعلامنا الرسمي التي اعتدنا عليها من التلفزيون الأردني والتي كانت دائما تحاول الإكثار من مواد التنظيف لغسل دماغ المواطن الذي يتوقع منه الإستسلام لكل ما تقوم به الحكومة. وكنا سنثني على الناطق الرسمي لو وازن بين الواقع المعاش وبين السياسات الحكومية.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com